وفي حرامها عقاب. من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن ساعاها فاتته (١) ، ومن قعد عنها واتته ، ومن أبصر بها بصّرته ، ومن أبصر إليها أعمته.
علّق الشريف الرضي على هذه الكلمات البليغة بقوله :
أقول : وإذا تأمل المتأمل قوله عليهالسلام : « ومن أبصر بها بصّرته » وجد تحته من المعنى العجيب ، والغرض البعيد ، ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره ، ولا سيّما إذا قرن إليه قوله : « ومن أبصر إليها أعمته » فإنه يجد الفرق بين « أبصر بها » و« أبصر إليها » واضحا نيرا ، وعجيبا باهرا! (٢).
وصفه للموت وما بعده
من خطبه البالغة الأهمّية في الوعظ والإرشاد هذه الخطبة العجيبة التي سمّيت بالغراء ، وفيها وصف رائع لحالة الإنسان وشئون حياته ، وما يعقب من صحّته وسقمه وموته ، وغير ذلك ممّا يجري عليه ، انظروا إلى هذه الخطبة ، قال عليهالسلام :
« اوصيكم عباد الله بتقوى الله الّذي ضرب لكم الأمثال ، ووقّت لكم الآجال ، وألبسكم الرّياش ، وأرفع لكم المعاش (٣) ، وأحاطكم بالإحصاء (٤) ، وأرصد لكم الجزاء ، وآثركم بالنّعم السّوابغ ، والرّفد
__________________
(١) ومن ساعاها فاتته : المراد أنّه من جدّ في طلب الدنيا فاتته ، أي سبقته ، فإنّه كلّما نال منها شيئا فتحت له أبواب الأمل فيها.
(٢) نهج البلاغة ١ : ١٣٠ ـ ١٣١.
(٣) أرفع لكم : أي أوسع لكم.
(٤) أحاطكم بالإحصاء : أي أحصى بدقّة أعمالكم.