الرّوافع (١) ، وأنذركم بالحجج البوالغ ، فأحصاكم عددا ، ووظّف لكم مددا ، في قرار خبرة ، ودار عبرة ، أنتم مختبرون فيها ، ومحاسبون عليها. فإنّ الدّنيا رتق (٢) مشربها ، ردغ (٣) مشرعها ، يونق (٤) منظرها ، ويوبق مخبرها. غرور حائل ، وضوء آفل ، وظلّ زائل ، وسناد مائل ، حتّى إذا أنس نافرها ، واطمأنّ ناكرها ، قمصت بأرجلها ، وقنصت بأحبلها ، وأقصدت بأسهمها ، وأعلقت المرء أوهاق المنيّة (٥) قائدة له إلى ضنك المضجع ، ووحشة المرجع ، ومعاينة المحلّ ، وثواب العمل.
وأضاف الإمام قائلا :
فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم؟ وأهل غضارة الصّحّة إلاّ نوازل السّقم؟ وأهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء؟ مع قرب الزّيال (٦) ، وأزوف الانتقال ، وعلز الفلق (٧) ، وألم المضض ، وغصص الجرض (٨) وتلفّت الاستغاثة بنصرة الحفدة والأقرباء ، والأعزّة والقرناء! فهل دفعت الأقارب ، أو نفعت النّواحب (٩) ، وقد غودر في محلّة الأموات
__________________
(١) الروافع : هي الامور الواسعة.
(٢) الرتق : الكدر.
(٣) الردغ : كثرة الطين.
(٤) يونق : يعجب.
(٥) أوهاق المنية : أي حبالها.
(٦) الزيال : المفارقة.
(٧) علز الفلق : شدّته وصرامته.
(٨) الجرض : الريق.
(٩) النواحب : النائحات.