عليهالسلام.
يا نوف ، إنّ الله تعالى أوحى إلى عيسى أن مر بني إسرائيل أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلاّ بقلوب طاهرة ، وأبصار خاشعة ، وأيد نقيّة ، فإنّي لا أستجيب لأحد منهم ، ولا لأحد من خلقي عنده مظلمة ... » (١).
وحفلت هذه الوصية بالدعوة إلى الزهد في الدنيا ، وعدم الاندفاع إلى مباهجها ، فإنّها وما فيها من متع ورغبات إنّما هي ظلّ زائل لا قرار لها ، والخلود والبقاء إنّما هو في الدار الآخرة التي أعدّها الله للمتّقين والصالحين من عباده.
الزهد في الدنيا
وزهد الإمام في الدنيا ، وأقبل على الله تعالى بعواطفه ومشاعره ، وكان يدعو بهذا الدعاء لوعظ العامّة ، قال عليهالسلام :
« اللهمّ إنّي أسألك سلوا عن الدّنيا ، ومقتا لها ، فإنّ خيرها زهيد ، وشرّها عتيد ، وصفوها يتكدّر ، وجديدها يخلق ، وما فات فيها لم يرجع ، وما نيل فيها فتنة إلاّ من أصابته منك عصمة ، وشملته منك رحمة ، فلا تجعلني ممّن رضي بها ، واطمأنّ إليها ، ووثق بها ، فإنّ من اطمأنّ إليها خانته ، ومن وثق بها غرّته » (٢).
وحكت هذه الكلمات مدى عزوف الإمام عليهالسلام عن الدنيا ومقته لمباهجها ، فليس فيها متعة يصبو إليها إمام المتّقين وسيّد العارفين سوى إقامة الحقّ ، وتأسيس معالم العدل.
__________________
(١) حلية الأولياء ١ : ٧٩.
(٢) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ـ باب الدعاء : ٢٧٤.