وأمّا هفوات الأنبياء وما بيّنه الله في كتابه ، ووقوع الكناية ... ممّن شهد الكتاب بظلمهم فإنّ ذلك من أدلّ الدّلائل على حكمة الله عزّ وجلّ الباهرة ، وقدرته القاهرة ، وعزّته الظّاهرة لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء تكبر في صدور اممهم ، وأنّ منهم من يتّخذ بعضهم إليها ، كالّذي كان من النّصارى في ابن مريم ، فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الّذي تفرّد به عزّ وجلّ.
ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى حيث قال ـ فيه وفي امّه ـ: ( كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ) (١)؟ يعني أنّ من أكل الطّعام كان له ثقل ، ومن كان له ثقل فهو بعيد ممّا ادّعته النّصارى لابن مريم ، ولم يكنّ عن أسماء الأنبياء تبجّرا (٢) أو تعزّرا (٣) ...
إلى آخر ما أفاده الإمام في هذا الموضوع.
وأمّا قوله : ( وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ).
وقوله : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ) فذلك كلّه حقّ ، وليست جيئته جلّ ذكره كجيئة خلقه فإنّه ربّ كلّ شيء.
ومن كتاب الله عزّ وجلّ يكون تأويله على غير تنزيله ، ولا يشبّه تأويله بكلام البشر ، ولا فعل البشر ، وسأنبئك بمثال لذلك تكتفي به إن شاء الله تعالى وهو حكاية الله عزّ وجلّ عن إبراهيم عليهالسلام حيث قال : ( إِنِّي
__________________
(١) المائدة : ٧٥.
(٢) البجر : العيب.
(٣) التعزير : اللوم والتأديب.