الأفلاك. فجذبت إلى غور من تلك الأغوار (١) التي هي مسامتة (٢) لخط الاستواء ، من سرنديب من ألطف الماء وأعذبه وأشفه ، وأقربه ما تكوّن منه ثمانية وعشرون شخصا ذكرا ، وفيما يليه غور فيه ثماني وعشرون شخصا اناثا.
وكان سبب ذلك بعدد منازل ثماني وعشرين منزلة ، وعلى عدد حروف المعجم ، ولحظتها العقول البرية بمناظرات الكواكب السعيدة ، واعتدال الزمان بقوة أولة. وقد مزجت ماء ذلك الغور ، لما ذكرنا ، بخواص أشياء من المعادن مثل الزئبق والكبريت ، حتى امتزج بماء الغور وطينه ، وعنيت بفعله وتدريجه على سبيل الفعل بالسلالة من حالة إلى حالة ، حتى تكوّن الماء هنا ، فتكوّن فيه أجنة من الأغشية التي كل واحد منها مشيمة لشخص منها وجميعها من الآثار الطيبة ، من حبوب وثمار وفواكه وأشجار ورياحين ، ومن ماء الأنهار التي قد استتربت تلك الآثار ، وجذبتها الأمطار إلى الأغوار ، فصار ذلك هو الطين المزاوج للماء القابل للانفعال ، حتى إنها من الكافور والعنبر والمسك الأذفر ، جذبته العناية الإلهية باستحقاق ، كما يجذب حجر المغناطيس الحديد ، وذلك ممّا كان من أهل الإقرار بالحد الأعظم. فكانت أجسامهم من ذلك الحال الأشرف الذي ميّز من الخبيث ، وكانت أجسادهم شفّافة جوهرية ، صافية زكية ، طاهرة نقية ، مضيئة نيّرة نامية حسية ، على ما رمز به الشخص الفاضل صاحب الرسائل حيث قال (٣) :
وقد قيل إنّه متى كان الكبريت صافيا والزئبق نقيا ، والزمان معتدلا ، والتدبير على ما ينبغي في الوقت من اعتدال الزمان باستقامة أشكال الفلك ، والشمس في سعادتها ، وكان التدبير موافقا لها بمساعدتها فرقي إلى العلو بالصعود
__________________
(١) بعض علماء الإسماعيلية يسمونها المغاور والبعض الآخر يقولون الكهوف أو الخدد.
(٢) مسامتة : سامت في ط.
(٣) الرسالة الجامعة الورقة ٩٧.