هي مأوى المثابين من العقول المنبعثة في دار الطبيعة ، والأنفس العاقلة المتخلقة ومجمعهم ، وفيها المتقون ، وهي المعرب عنها بأنها عند سدرة المنتهى خارج الأجسام في جوار الملك المقرب الموكول إليه أمر العالم الذي به تتعلق الأنفس ، وبه تستمد في دار الحس.
وهذا الفصل بين فيه أن الملك المقتدر (١) هو المبدع الأول ، وقوله عند : أي ، عند حد هو دونه ، فهو المنبعث الأول ، وقوله : الذي لا تتبدل ولا يطرأ عليها حال ، هو بقوله خارج صفحة السموات العلى ، الذي هو المبدع الأول ، والمنبعث الأول ، فهذا الجنة العالية.
وأما الجنة الدانية ، فهي التي ذكر أنها من العقول المنبعثة في دار الطبيعة ، إلى قوله بأنها خارج الأجسام في جوار الملك المقرب في عالم الدين ، بقوله الذي به تتعلق الأنفس ، وبه تستمد في دار الحس ، فأوضح ذلك وبينه في هذا الفصل بيانا شافيا كافيا لمن وقف لفهمه والله يتولى العون برحمته.
وقال أيضا في قول الله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (٢). أي (٣) يقول في سعادة من علت درجته من الأنبياء والأئمة والأولياء الذين هم العليون ، ويقول العالمون صفحة السموات خارج الأجسام بذواتهم حول العرش ، (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) أي (٤) تفسير العليين ، قال نفس منبعثة انبعاثا ثانيا مرقومة منتقشة بجميع المعارف الإلهية ، وما تقدم ، وما تأخر ، اكتسابا من أول الأدوار إلى آخرها ، الأنبياء والأئمة والحدود البالغة كالسماء الأعلى (٥) الجامعة لجميع الصور أسماؤهم ، المقربون في الأدوار الخالية. وواصلتها
__________________
(١) المقتدر : القادر في ج.
(٢) سورة : ٨٣ / ١٨.
(٣) أي : سقطت في ط.
(٤) أي : سقطت في ط.
(٥) الأعلى : العلي في ج.