الوجود وتحلت بحليتها حتى صارت صورة حساسة مدركة ، فكذلك الصورة المنشأة من الكلمة بوساطة الأصلين والأساسين والفرعين ومن دونهم من الحدود ، فالأصلان العقل والنفس ، والأساسان النبي والوصي ، والفرعان الإمام والحجّة ، بتصورهم (١) بصورتهم اللطيفة الروحانية ، فلا تزال ترتقي من حال إلى حال ، ومن درجة إلى درجة حتى تتم صورتها وحليتها ، فإذا تمت صورتها قامت بذاتها وعلتها الكلمة ونشؤها العلم الذي به تدرك الحقائق ؛ فإذا اتحدت بالعلم وعملت ، خرجت بصورة العمل ، فحينئذ لا فناء عليها ولا تغير ، إلى أن ينتهي إلى درجتها المقدرة لها بالاتصال ، فيكون عددها بكمال وتمام ، لأن بالعلم والعمل تبلغ إلى غايات الغايات ونهاية النهايات ، وبها تعلو على ملكوت الأرضين والسموات.
ويجب على من يطلب هذا العلم الشريف أن يقف على حقيقته وأصوله ليتضح عنده معرفة الحدود الروحاني والجسداني ، وينزل كل بمنزلته لا يزيد فيهم ولا ينقص منهم ، ولا يتعداهم ولا ينقص منهم ما أعطاهم الله سبحانه ، لأن الحدود منازل ودرجات ، ولكل منهم حد محدود لا يتجاوزه ، ولهم قدر معلوم لا يتعدونه.
قال الشخص الفاضل صاحب الرسائل من الرسالة الجامعة في الرسالة الثانية من الرياضيات نضر الله وجهه (٢) : والغرض أن يعرف المناظر والمطلع بنفسه الزكية وروحه الطاهرة المهدية بالعلوم الرياضية منها أن الغرض منها هو التهدي من المحسوسات إلى المعقولات ، ومن الجسمانيات الطبيعيات المركبة إلى الروحانية ، ومن ذوات الهيولى إلى المجردات وكيفية رؤية البسائط والاتحاد
__________________
(١) بتصورهم : بتصور فهم في ط.
(٢) في ط ورد في المتن «قال الشخص الفاضل صاحب الرسائل نضر الله وجهه» وفي الهامش «عن الرسالة الجامعة في الرسالة الثانية من الرياضيات».