بها ، وكيفية المعراج إليها والارتقاء نحوها واللحوق بعالمها الذي لا يتكثر ولا يزداد ، وينفرد بالفضائل التي لا توجد في العالم الجسماني ، وأنّه لا يتقدر بمقدار جرماني ، ولا انحصار مكاني ، ولا يتكون في أوان زماني ، ولا نحو الأقطار كالصور المعراة من المواد المبرأة من الهيولى ، والجواهر المحضة الروحانية العالية المنيرة والذوات الشريفة الطاهرة ذوات الرتبة العالية ، والدرجات التي لا تدرك بالعيان ولا يحويها ، ولا توصف بذلك وهو المكان للمكان وسبب حركات مبدإ الزمان وتكوين الكيان.
ولما كان الفلك هو سبب وجود المكان ومدد حركاته هي الزمان علمنا أن الصورة الروحانية المبرأة من الجواهر الجسمانية هي سبب وجود الفلك وهو سبب حركاته ، فالبرهان أن هذه الجواهر العالية الخالية من المكان وحركة الزمان لا توصف بالمكان وبالزمان ؛ ولما كان ذلك كذلك فالبرهان أن العقل يجب أن ينزه بصفات هي أعلى من صفات النفس وأجل ، لعلو منزلته ، وعظم مرتبته.
فهذه الفصول توجب معرفة الحدود إلى التزامهم ولا يتجاوز بهم عن حدهم. فإذا عرف المرتاد ذلك احتاج أن يعرف بين كل منهم في الروحاني والجسماني ، وذلك لا يدرك إلّا بحقيقة العلم المحض ، ونحن نشرح من ذلك ما أمكن. وذلك أن العلوم أربعة : فعلم الأزمان وهو معرفة المكان ومعرفة حركاته الذي هو الزمان ، ومناظرات الأملاك وما يوجبه تسييرها وحقيقة ذلك لا يدركه إلّا أهل علم الهندسة والمساومة والمنطق الذي يجمع علم العدد وماهية الجواهر الجسمانية والجواهر النفسانية ، وهم ينقسمون إلى أنحاء كثيرة ، فمنهم الطبيعيون الذين حدهم معرفة الهيئة ويجعلون منها الغاية ، وينفون الوسائط ويعطلون الشرائع وحدودها ورسومها ، هم أهل الشبه والشرك ، وهم فسقة الجن ، ومنهم من يعرف من العدد الكسر والجبر ، ليحل به علم النجوم من