ومن درجة إلى درجة ، فعند ذلك ترى ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
ثم قال أيضا : فعليكم بمجاهدة النفوس وأي جهاد أكبر وأعظم من أن تجعل النفس الحسية البهيمية بالعلم والعمل إلى حد أن تكون مثل الملائكة «وتصير لطيفا مثل النفس الناطقة وتصير شيئا واحدا ، ويكونان ملكا من الملائكة» (١) وذلك بوساطة النبي والوصي والأئمة ، وقبول ما جاءوا به من العلم والعمل ، فعند ذلك تنال الدرجات ، وتثبت صورتها في أعلى عليين كما ثبتت صورة البشر في بطن أمه ، فكذلك النفس الناطقة إذا علمت وعملت في دار الدنيا التي هي رحم الآخرة ، رفعت كاملة عاملة ، وبلغت في دار المعاد مناها ، ووجدت ما عملت حاضرا بين يديها ، ونالت بذلك ما أرادت من الدرجات العلوية ، والعلوم الروحانية إلى أن تنتهي إلى أقصى النهايات وإلى أفضل الرتب والمراتب ، وذلك لقوله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).
وقال أيضا : فإذا كمل المؤمن في هذا العالم على هذا الترتيب ، وأخذ بحظه من حده وجد السبيل عند نقلته إلى عالمه ووصل إلى الجنة الحقيقية ، فلا فناء فيها ولا انزعاج ، ولا تغير من حال إلى (٣) بعد حال.
واعلم أنا قد ذكرنا القوى الثلاث وامتزاجها ، التي هي القوّة النامية ، والقوة الحسية ، والقوة الناطقة ، وأن كل واحدة منها منفردة بذاتها ، فلما اجتمعت وامتزجت خرج ما هو أجل وأحسن في العالم الجسماني والروحاني ؛ وإنّما يتغير حالها من حال إلى حال ، ونقلة بعد نقلة حتى تتصور صورة
__________________
(١) سقطت الكلمات الموضوعة بين قوسين من ج.
(٢) سورة : ٣٢ / ١٧.
(٣) إلى : سقطت في ج.