متردد في كونه وفساده وانقلابه ومعاده لتكمل له التوبة ، وتحصل له الإنابة ، ويتطهر بماء الطاعة ، من نجاسة المعصية ؛ فيرجع حينئذ إلى المكان الطاهر ، والمحل الفاخر ، والمنزلة الرفيعة.
والرتبة الشيطانية انقسمت أيضا قسمين ؛ وصارت نازلة منزلتين ، وصارت طائفتين : فطائفة عالمة بزلتها ، مصرة على خطيئتها ، مستكبرة عن طاعة باريها ، تريد الفساد في الأرض ، وهو إبليس ومن تبعه من الأبالسة والشياطين المردة. وطائفة لاحقة بهم ، متعلمة منهم ، قابلة من أوامرهم ونواهيهم. فالطائفة الأولة شياطين وأبالسة بالقوة.
واعلم يا أخي أيدك الله وإيانا بروح منه أن النفوس الجزئية لما أهبطت إلى عالم الهيولى الطبيعية للاتحاد بالأجساد البشرية ، وتفرقت ونشرت قواها في الأمهات ، وامتزجت بالاستقصات ، وخالطت المعادن والنبات والحيوان والإنسان بالقوة ، ظهر أشخاصها بالفعل. فيظهر من كل شخص فعله الذي كان به بالقوة. ولما كانت أيضا فرقتين صارت الموجودات كلها اثنين : محمود ومذموم. فالمحمود أيضا صار قسمين : محمود في غاية الحمد ، والآخر لاحق به ربما يوما مثله ؛ ومذموم في غاية الذم وآخر لاحق به. وصارت العداوة بينهما بالأمر الإلهي : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (١). وصار لكونهم فيها نهاية لقوله سبحانه : ومتاع إلى حين. والحين نهاية محدودة.
فهذا فصل عن الثقة الأمين بيّن الخطيئة الأولى في الروحانية وانقسامهم إلى قسمين فمصرّ وغير مصرّ. وذلك على ما قد جرى به القول في صدر كتابنا هذا وما بيّناه من قيام العاشر بالقوة بفعله الذي لم يلتزم بالسابق عليه في الوجود الذي هو المنبعث الأول ، ويعترف بفضله وشرفه ويجعله وسيلة له وقبلة إلى
__________________
(١) سورة : ٢ / ٣٦.