السابق لهما الذي هو المبدع الأول. كما أن المنبعث الأول لم يتعد طوره ، وسبح المبدع الأول وقدسه وجعله وسيلته وقبلته إلى المبدع الحق تعالى ، وجعل تسبيحه من قبله وتوحيده وتقديسه.
فكان قيام هذا الثاني بالقوة بسبب نقصه عن الفعل ، الذي هو كماله الثاني بالقوة بسبب نقصه عن الفعل الذي هو كماله الثاني ، إذ لم يلتزم بحده المذكور ، إذ كل محدود ملزوم بطاعة حده ؛ وأيضا لم يشهد لمن جلت قدرته بما شهد به المبدع ، ولا كان إقراره إلا له وحده ؛ فلما كان ذلك كذلك وظهر المبدع الأول بالمنبعث الأول ودعى به عالم الإبداع فانقسم ذلك العالم على ما ذكرنا قسمين : أجاب شيئا بعد شيء وترتبوا في الإجابة إلى سبع مراتب ، وأقروا بالداعي الذي هو المنبعث الأول ، وبالمدعو له الذي هو المبدع الأول ، وبالمستوجب للإلهية والتوحيد والتجريد والتنزيه والتعظيم ، فبقوا على حالتهم.
والقسم الثاني انقسموا أيضا قسمين : فقسم أقروا بما أقر به المنبعث الثاني القائم بالقوة بالمبدع الأول فقط ولم يقروا بالمنبعث الأول ، ولا بإلهية المبدع الحق تعالى على سبيل فعل المنبعث الثاني ، والقسم الثاني أصروا واستكبروا بما حتى لم يقروا بأول ولا بآخر ولا بمبدع ولا بمبدع. وأقبلت العقول على القائم بالقوة وعلى من تلاه في تصوره بالإلهام والتأييد ، فأقر بما غفل عنه والتزم بحده واعترف بقصوره بغير قصد ولا عمد ، وشهد لباري البرايا بالإلهية ، ولم يقر من القسم الأول الذين تصوروا بصورته ، وفعلوا كفعله أحد ؛ بل شكوا وتحيروا فأقيم فيهم مقام الواحدية ، وأمر بالدعوة والإلهام للقسم الثاني ، فزهد الكل فيه وفي دعوته وتكبروا عليه ، وأصروا بهم العصيان والهبوط.
فالقسم الأول الذين أقروا بالمبدع الأول وجحدوا المنبعثين ، ولم يستشهدوا بالإلهية لباري البرايا كانوا هم الصورة التي هي الحياة الطبيعية المشار