الأفلاك الذين هم نفس الحس المشار إليها بالصورة. وسفل من بعد ، ولم يصدقوا بحد من عالم القدس ، ولا محدود ، فكانوا عالم الكون والفساد ، نفس النماء المشار إليها بالهيولى ، وعلا من علا من عالم الطبيعة ، وترتب على ما خطر في باله. وسفل من سفل ، وتكثف واستحجر ، على قدر إصراره (١) ، على سبيل صحابة الرسول ، فمنهم من أقر بنبوة النبي وأصر على مخالفة علي وصيه ، فلم ينفعهم إقرارهم بالرسول ، وتخلفهم عن الوصي ؛ ومنهم من لم يصدق بأي الحدين فذلك كذلك. بان من ذلك العالم من أقر في خاطره بفضل المبدع الأول على سبيل ما فعل العاشر ، ولم يلتزم بالمنبعث الأول بسبقه ، فصار بذلك بابه وحجابه ، فهبطوا كهبوط أصحاب الرسول وزلوا. والعاشر أقرّ بالسابق عليه ، فتاب وأناب ، وشهد لمبدع الجميع بالإلهية ، وأقر له بالوحدانية ، فخلص وخلص ، وكلف استخلاص ما هبط بسلب اقتدائهم به على أنّه لم يفدهم ذلك ، ولا يدعوهم إليه (٢) ، وإنّما فطنوا لنطقه بتعظيم المبدع الأول على حدته ، فجعلوا ذلك لهم صورة.
فلمّا رجع ودعا إلى ذاته ، وإلى حده الذي هو المنبعث الأول ، فتكبروا عليه ، وقالوا : ما فعلنا إلّا ما فعل ، ولا قلنا إلّا ما قال ، وقد صار
__________________
ـ من الظلمة ، أنكروها واستوحشوا فيها ، والتأم بعضهم إلى بعض ، فتحركوا حركة يريدون بها الخلاص مما وقعوا به ، فحدث من حركتهم تلك في ذواتهم الطول الأول ، فأنكروه وتحركوا حركة حدث منها العرض الأول فصاروا جسما واحدا ممتزجا بعضه ببعض. وكانت تلك الحركات من حكمة العاشر المتولي لتدبيرهم.
(١) أي أنهم كانوا في عصيانهم للعاشر متفاوتين في الضمائر. فمنهم النادم المستغفر ، ومنهم الشاك المتحير ، ومنهم المصر المستكبر.
(٢) لأنهم لم يعملوا بموجب الأصول التي تقضي بوجوب الاعتراف والإقرار للأصلين معا للسابق والتالي في عالم الإبداع ، وللناطق والأساس في عالم الوضع والدين لأن الثاني متولد من الأول ونظير له وإن كان الأول أعلى مرتبة وأشرف منزلة ، مثل الذكر والأنثى في جميع الأجناس والجواهر ، فإن الذكر وإن كان أعلى وأشرف من الأنثى فكل واحد منهما نظير لصاحبه وشبهه.