قال ابن عباس : هو أنّ إبليس مرّ على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيه ، فقال : لأمر ما خلق هذا ، ثم دخل في فيه وخرج من دبره ، وقال : إنه خلق لا يتماسك لأنه أجوف ، ثم قال للملائكة الذين معه : أرأيتم إن فضّل [الله](١) هذا عليكم وأمرتم بطاعته ما ذا تصنعون؟ قالوا : نطيع أمر ربنا ، فقال إبليس في نفسه : والله لئن سلطت عليه لأهلكنّه ولئن سلط عليّ لأعصينه ، فقال الله تعالى : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) يعني : ما تبديه الملائكة من الطاعة (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) يعني إبليس من المعصية.
وقوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) ، قرأ أبو جعفر : (لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) بضم التاء على جوار ألف اسجدوا ، وكذلك قرأ (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] ، بضم الباء ، وضعفه النحاة جدا ونسبوه إلى الغلط فيه ، واختلفوا في أن هذا الخطاب مع [أي من](٢) الملائكة ، فقال بعضهم : مع الذين كانوا سكان الأرض والأصح أنه مع جميع الملائكة ؛ لقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠] ، وقوله : (اسْجُدُوا) ، فيه قولان :
الأصح أن السجود كان لآدم على الحقيقة وتضمن معنى الطاعة لله عزوجل بامتثال (٣) أمره ، وكان ذلك سجود تعظيم وتحية لا سجود عبادة ، كسجود إخوة يوسف له في قوله عزوجل : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) [يوسف : ١٠٠] ، ولم يكن فيه وضع الوجه على الأرض إنما كان انحناء ، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام.
وقيل معنى قوله : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) أي : إلى آدم فكان آدم قبلة والسجود لله تعالى كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة والصلاة لله عزوجل ، (فَسَجَدُوا) يعني : الملائكة ، (إِلَّا إِبْلِيسَ) ، وكان اسمه عزازيل بالسريانية وبالعربية الحارث ، فلما عصى (٤) غير اسمه وصورته ، فقيل [له](٥) : إبليس لأنه أبلس من رحمة الله تعالى ، أي : يئس [منها](٦).
واختلفوا فيه ، فقال ابن عباس وأكثر المفسّرين : كان إبليس من الملائكة ، وقال الحسن : كان من الجن ولم يكن من الملائكة ؛ لقوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠] ، فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس ، ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور ، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة ، والأول أصح لأن خطاب السجود كان مع الملائكة ، وقوله : (كانَ مِنَ الْجِنِ) ، أي : من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.
وقال سعيد بن جبير : من الذين يعملون في الجنة ، وقال قوم : من الملائكة الذين [كانوا](٧) يصوغون حلّي أهل الجنة ، وقيل : إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار سموا جنا لاستتارهم عن الأعين ، وإبليس كان منهم ، والدليل عليه قوله تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) [الصافات : ١٥٨] ، وهو قولهم : الملائكة بنات الله ، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية ، قوله : (أَبى) أي : امتنع فلم يسجد ، (وَاسْتَكْبَرَ) ، أي : تكبّر عن السجود لآدم ، (وَكانَ) أي : وصار (مِنَ الْكافِرِينَ) ، وقال أكثر المفسّرين : وكان في سابق علم الله [أنه](٨) من الكافرين الذين وجبت لهم الشقاوة.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المخطوط تقديم وتأخير في العبارات هاهنا ، وسياق المطبوع وفي نسخة ـ ط ـ هو الصواب ، والله أعلم.
(٤) تحرف في المطبوع «عصى» إلى «أعصى».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) ليست في المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط.