فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم ، وفيه دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة ، وإن كانوا رسلا كما ذهب إليه أهل السنة [والجماعة](١).
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : علّمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة ، وقيل : اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وقال الربيع بن أنس : أسماء الملائكة ، وقيل : أسماء ذريّته ، وقيل : صنعة كل شيء ، قال أهل التأويل : إن الله عزوجل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرّقوا في البلاد واختصّ كل فرقة منهم بلغة ، (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) ، إنّما قال : (عَرَضَهُمْ) ، ولم يقل عرضها ، لأن المسميات إذا جمعت (٢) من يعقل ومن لا يعقل يكنّى عنها بلفظ من يعقل ، كما يكنّى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور ، وقال مقاتل : خلق الله كل شيء [من](٣) الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة ، فالكناية راجعة إلى الشخوص (٤) ، فلذلك قال (عَرَضَهُمْ) ، (فَقالَ أَنْبِئُونِي) أخبروني (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) [أي الموجودات](٥)(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [في](٦) أني لا أخلق خلقا إلّا كنتم أفضل وأعلم منه ، (قالُوا)(٧) الملائكة إقرارا بالعجز :
(قالُوا سُبْحانَكَ) : تنزيها لك ، (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) ، معناه : إنك أجل من أن نحيط بشيء من علمك إلا ما علمتنا ، (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) بخلقك (الْحَكِيمُ) في أمرك ، والحكيم له معنيان أحدهما الحاكم وهو القاضي العدل ، والثاني المحكم للأمر كيلا يتطرّق إليه الفساد ، وأصل الحكمة في اللغة : المنع فهي تمنع صاحبها من الباطل ، ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها من الاعوجاج ، فلما ظهر عجزهم.
(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤) وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥))
(قالَ) الله تعالى : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) ، أخبرهم بأسمائهم فسمى آدم كل شيء [باسمه](٨) وذكر الحكمة التي لأجلها خلق ، (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ) الله تعالى : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) يا ملائكتي (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [ما كان منهما وما يكون ، لأنه قد قال لهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)](٩).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : (إني) ، بفتح الياء وكذلك يفتحون كل ياء إضافة استقبلها ألف قطع مفتوحة إلا أحرفا معدودة ، ويفتح نافع و [أبو](١٠) عمرو عند الألف المكسورة أيضا إلا أحرفا معدودة ، ويفتح نافع عند المضمومة إلا أحرفا معدودة ، والآخرون لا يفتحون إلا [في](١١) أحرف معدودة ، (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) ، قال الحسن وقتادة : يعني قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ، (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) : قولكم لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منّا.
__________________
(١) زيد في المطبوع.
(٢) في المخطوط «اجتمعت مع».
(٣) زيادة في المخطوط.
(٤) في المطبوع «الخصوص».
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) زيادة عن نسخة ـ ط ـ.
(٧) في نسخ المطبوع «فقالت».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من أحد المخطوطين.
(١٠) سقط من المطبوع.
(١١) زيد في المطبوع.