روعه أنه إذا ألقي في شيء غيره حيي ، وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حليا كثيرة من قوم فرعون [حين أرادوا الخروج من مصر لعلّة عرس لهم فأهلك الله فرعون](١) وبقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل ، فلما فصل موسى قال هارون (٢) لبني إسرائيل : إن الحلي التي استعرتموها (٣) من قوم فرعون غنيمة لا تحل لكم فاحفروا حفرة وادفنوها فيها حتى يرجع موسى ، فيرى فيها رأيه.
وقال (٤) السدي : إن هارون عليهالسلام أمرهم أن يلقوها في حفرة (٥) ، حتى يرجع موسى ففعلوا ، فلما اجتمعت الحلي صاغها السامري عجلا في ثلاثة أيام ، ثم ألقى فيها (٦) القبضة التي أخذها من تراب [أثر] فرس جبريل عليهالسلام ، فخرج عجلا من ذهب مرصعا بالجواهر كأحسن ما يكون ، فخار خورة ، وقال السدي : كان يخور ويمشي فقال السامري : هذا إلهكم وإله موسى ، فنسي ، أي : فتركه هاهنا وخرج يطلبه ، وكانت بنو إسرائيل قد أخلفوا الوعد فعدّوا اليوم مع الليلة يومين ، فلما مضى عشرون يوما ولم يرجع موسى وقعوا في الفتنة ، وقيل : كان موسى قد وعدهم ثلاثين ليلة ثم زيدت العشرة فكانت فتنتهم في تلك العشرة ، فلما مضت الثلاثون ولم يرجع موسى ظنوا أنه قد مات ، ورأوا العجل وسمعوا قول السامري ، فعكف ثمانية آلاف رجل منهم على العجل يعبدونه ، وقيل : كلهم عبدوه إلا هارون مع اثني عشر ألف رجل وهذا أصح.
وقال الحسن : كلّهم عبدوه إلا هارون وحده ، فذلك قوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) ، أي : إلها (مِنْ بَعْدِهِ) ، أظهر ابن كثير وحفص الذال من (أخذت ، واتخذت) ، والآخرون يدغمونها ، (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) : ضارون لأنفسكم بالمعصية واضعون العبادة في غير موضعها.
(ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) : محونا ذنوبكم ، (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) : من عبادتكم العجل ، (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) : لكي تشكروا عفوي عنكم وصنيعي إليكم ، قيل : الشكر هو الطاعة بجميع الجوارح في السرّ والعلانية ، قال الحسن : شكر النعمة ذكرها ، قال الله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى : ١١].
قال الفضيل : [شكر كل نعمة أن لا يعصى الله بعد تلك النعمة](٧) ، وقيل : حقيقة الشكر العجز عن الشكر ، حكي أن موسى عليهالسلام قال : إلهي أنعمت عليّ النّعم السوابغ وأمرتني بالشكر ، وإنّما شكري إياك نعمة منك ، قال الله تعالى : يا موسى تعلمت العلم الذي لا يفوقه علم (٨) ، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو مني ، وقال داود : سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكرا ، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة.
قوله تعالى : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ، يعني : التوراة ، (وَالْفُرْقانَ) ، قال مجاهد : هو التوراة أيضا ذكرها باسمين ، وقال الكسائي : الفرقان نعت الكتاب ، والواو زائدة ، يعني : الكتاب الفرقان ، أي :
__________________
(١) زيد في المطبوع.
(٢) وقع في كافة نسخ المطبوع والمخطوط «السامري» وهو سبق قلم من المصنف رحمهالله ، والمثبت كتب الحديث والأثر.
والروايات ظاهرة في أن القائل هارون عليهالسلام. انظر تفسير الطبري ٩٢٠ و ٩٢٢ و ٩٢٣ و ٩٢٤ و «الدر المنثور» (٤ / ٥٤٥ ـ ٥٤٧)
(٣) في المخطوط «استعرتموه».
(٤) في المخطوط «قال».
(٥) في المطبوع «حفيرة».
(٦) في المخطوط «فيه».
(٧) ما بين المعقوفتين هكذا في نسخ المطبوع. وهي في المخطوط [شكر النعمة أن لا يعصي الله بعدها].
(٨) زيد في المطبوع «شيء من» قبل لفظ «علم».