إله إلّا أنا ذو بكّة (١) أخرجتكم من أرض مصر بيد شديدة فاعبدوني ولا تعبدوا غيري ، فلما فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا له : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة معاينة ، وذلك أن العرب تجعل العلم بالقلب رؤية ، فقال : جهرة ليعلم أن المراد منه العيان ، (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) ، أي : الموت.
وقيل : نار جاءت من السماء فأحرقتهم ، (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ، أي : ينظر بعضكم [إلى](١) بعض حين أخذكم الموت ، وقيل : تعلمون ، والنظر يكون بمعنى العلم ، فلما هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرّع ويقول : ما ذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد هلك خيارهم؟ (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) [الأعراف : ١٥٥] ، فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله تعالى رجلا (٢) رجلا ، بعد ما ماتوا يوما وليلة وينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون ، فذلك قوله تعالى :
(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) : أحييناكم ، والبعث : إثارة الشيء عن محلّه ، يقال : بعثت البعير وبعثت النائم فانبعث ، (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) ، قال قتادة : أحياهم [الله](٣) ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم ، ولو ماتوا بآجالهم لم يبعثوا [إلى يوم القيامة](٤)(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) ، في التيه تقيكم حرّ الشمس والغمام من الغم ، وأصله : التغطية والستر ، سمّي السحاب غماما لأنه يغطي وجه الشمس ، وذلك أنه لم يكن لهم في التيه كن (٢) يسترهم فشكوا إلى موسى فأرسل الله تعالى غماما أبيض رقيقا أطيب من غمام المطر ، وجعل لهم عمودا من نور يضيء لهم الليل (٥) إذ لم يكن لهم قمر ، (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) ، أي : في التيه ، والأكثرون : على أن المنّ هو الترنجبين.
وقال مجاهد : هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار طعمه كالشهد ، وقال وهب : هو الخبز الرقاق ، قال الزجاج : (٦) المنّ ما (٧) يمنّ الله به من غير تعب.
[٥٤] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو نعيم أنا سفيان ، عن عبد الملك هو ابن عمير ، عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد قال :
قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين» (٣).
__________________
(١) أي : ذو قوة.
(٢) الكن : ووقاء كل شيء وستره والكنان : البيت ـ والكنة : جناح يخرج من حائط أو سقيفة فوق باب الدار ، أو ظلة.
[٥٤] ـ إسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم ، أبو نعيم هو الفضل بن دكين ، وسفيان هو الثوري.
وهو في «شرح السنة» (٢٨٩٠) بهذا الإسناد.
ـ أخرجه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» (٤٤٧٨) عن أبي نعيم بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه البخاري ٤٤٧٨ و ٤٦٣٩ و ٥٧٠٨ ومسلم ٢٠٤٩ والترمذي ٢٠٦٨ وأحمد ١ / ١٧٨ و ١٨٧ و ١٨٨ وأبو يعلى ٩٦١ من حديث سعيد بن زيد.
(٣) وقع في الأصل «للعي» والتصويب من صحيح البخاري وغيره.
__________________
(١) في المطبوع «ل» بدل «إلى».
(٢) في المخطوط «رجلا بعد رجل».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) في المخطوط «بالليل».
(٦) زيد في الأصل جملة».
(٧) في المطبوع «من».