وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤))
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢))
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) : في التوراة والميثاق العهد الشديد ، (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) ، قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي لا يعبدون ، بالياء ، والآخرون بالتاء ؛ لقوله (١) تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة : ٨٣] ، معناه أن لا تعبدوا ، فلما حذف (أن) صار الفعل مرفوعا وقرأ أبي بن كعب : «لا تعبدوا» ، على النهي ، (وَبِالْوالِدَيْنِ) ، أي : ووصيناهم بالوالدين ، (إِحْساناً) برّا بهما وعطفا عليهما ونزولا عند أمرهما فيما لا يخالف أمر الله تعالى ، (وَذِي الْقُرْبى) ، أي : وبذي القرابة ، والقربى مصدر كالحسنى ، (وَالْيَتامى) ، جمع يتيم وهو الطفل الذي لا أب له ، (وَالْمَساكِينِ) ، يعني : الفقراء ، (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) : صدقا وحقا في شأن محمد صلىاللهعليهوسلم ، فمن سألكم عنه فاصدقوه وبيّنوا صفته لا تكتموا أمره ، هذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وابن جريج ومقاتل ، وقال سفيان الثوري : مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر ، وقيل : هو اللّين في القول والمعاشرة بحسن الخلق ، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب : «حسنا» بفتح الحاء والسين ، أي : قولا حسنا ، (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) ، أعرضتم عن العهد والميثاق ، (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) ، وذلك أن قوما منهم آمنوا ، (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) ، كإعراض آبائكم.
قوله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ) ، أي : لا تريقون ، (دِماءَكُمْ) ، أي : لا يسفك بعضكم دم بعض ، وقيل : لا تسفكوا دماء غيركم فيسفك دماءكم فكأنكم سفكتم دماء أنفسكم ، (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) ، [أي](٢) : لا يخرج بعضكم بعضا من داره ، وقيل : لا تسيئوا جوار من جاوركم فتلجئوهم إلى الخروج بسوء جواركم ، (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) : بهذا العهد أنه حق وقبلتم ، (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) : اليوم على ذلك يا معشر اليهود وتعترفون بالقبول.
(ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥))
قوله عزوجل : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ، يعني : يا هؤلاء ، وهؤلاء للتنبيه ، (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) ، أي : يقتل بعضكم بعضا ، (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) ، بتشديد الظاء ، أي : تتظاهرون ، أدغمت التاء في الظاء ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء فحذفوا تاء التفاعل وأبقوا تاء الخطاب ؛ كقوله تعالى : (وَلا تَعاوَنُوا) [المائدة : ٢] ، معناهما جميعا تتعاونون ، والظهير : العون ، (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) : بالمعصية والظلم ، (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى) ، [و] قرأ حمزة أسرى ، وهما جمع : أسير ، ومعناهما واحد ، «تفدوهم» : بالمال وتنقذوهم ، [و] قرأ أهل المدينة وعاصم والكسائي ويعقوب
__________________
(١) في المطبوع وحده «كقوله».
(٢) زيادة عن المخطوط.