قدسا لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحول ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث ، إنما كان أمرا من أمر الله تعالى ، قال قتادة والسدي والضحاك : روح القدس جبريل عليهالسلام ، قيل : وصف جبريل [عليهالسلام] بالقدس أي بالطهارة ، لأنه لم يقترف ذنبا ، قال الحسن : القدس هو الله ، وروحه جبريل ، قال الله تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) [النحل : ١٠٢] ، وتأييد عيسى بجبريل عليهماالسلام أنه أمر أن يسير معه حيث سار حتى صعد به إلى السماء ، وقيل : سمّي جبريل عليهالسلام روحا للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : روح القدس هو اسم الله تعالى الأعظم الذي كان يحيي به الموتى ، ويري الناس [به](١) العجائب ، وقيل : هو الإنجيل جعل [الله](١) له روحا كما جعل القرآن روحا لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنه سبب لحياة القلوب ، وقال الله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢] ، فلما سمعت اليهود ذكر عيسى عليهالسلام ، قالوا : يا محمد لا مثل عيسى كما تزعم عملت ، ولا كما يقصّ علينا من الأنبياء فعلت ، فأتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقا ، قال الله تعالى : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ) : يا معشر اليهود (رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ) : تكبّرتم وتعظّمتم عن الإيمان ، (فَفَرِيقاً) : طائفة (كَذَّبْتُمْ) : مثل عيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) ، أي : قتلتم مثل زكريا ويحيى وشعيا ، وسائر من قتلوا من الأنبياء عليهمالسلام.
(وَقالُوا) ، يعني : اليهود ، (قُلُوبُنا غُلْفٌ) ، جمع أغلف وهو الذي عليه غشاوة ، معناه : عليها غشاوة فلا تسمع ولا تفقه ما يقول ، قاله (٢) مجاهد وقتادة ، نظيره قوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) [فصلت : ٥] ، وقرأ ابن عباس : «غلف» بضم اللام ، وهي قراءة الأعرج ، وهي جمع غلاف ، أي : قلوبنا أوعية لكل علم فلا [تحتاج إلى علمك ، قاله ابن عباس وعطاء ، وقال الكلبي : معناه أوعية لكل علم فهي لا](٣) تسمع حديثا إلا وعته إلا حديثك لا تعقله ولا تعيه ، ولو كان فيه خير لوعته وفهمته ، قال الله عزوجل : (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ) : طردهم الله وأبعدهم عن كل خير ، (بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) ، قال قتادة : معناه لا (٤) يؤمن منهم إلا قليل ، لأن من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من اليهود ، أي : فقليلا يؤمنون ، ونصب (قليلا) على الحال ، وقال معمر : لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم ويكفرون بأكثره ، أي : فقليل يؤمنون [ونصب (قليلا) بنزع الخافض ، و (ما) صلة على قولهما ، وقال الواقدي : معناه لا يؤمنون](٥) لا قليلا ولا كثيرا ؛ كقول الرجل للآخر : ما أقل ما تفعل كذا ، أي : لا تفعله أصلا.
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠))
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، يعني : القرآن (مُصَدِّقٌ) : موافق (لِما مَعَهُمْ) ، يعني : التوراة ، (وَكانُوا) ، يعني : اليهود ، (مِنْ قَبْلُ) ، [أي] : من قبل مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، (يَسْتَفْتِحُونَ) : يستنصرون ، (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) : على مشركي العرب ، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا أحزنهم أمر أو
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «قال».
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) في المخطوط «لن» والمثبت عن المطبوع والطبري (١٥١٨ و ١٥١٩)
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.