الكتب ، فقال الشيطان : إن سليمان كان يضبط الجن والإنس والشياطين والطير بهذا ، ثم طار الشيطان وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا وأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب ، فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود ، فلما جاء محمد صلىاللهعليهوسلم برّأ الله تعالى سليمان من ذلك ، وأنزل في عذر سليمان : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) : بالسحر ، وقيل : لم يكن سليمان كافرا يسحر ويعمل به ، (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) ، قرأ [ابن عامر](١) والكسائي وحمزة (ولكن) ، خفيفة النون ، (والشياطين) ، رفع ، وقرأ الآخرون (ولكنّ) ، مشدّدة النون (والشياطين) نصب ، وكذلك (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] ، ومعنى (وَلكِنَ) نفي الخبر الماضي وإثبات المستقبل ، (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ، قيل : معنى السحر : العلم والحذق بالشيء ، قال الله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ) [الزخرف : ٤٩] ، أي : العالم ، والصحيح أن السحر عبارة عن التمويه والتخييل ، والسحر وجوده حقيقة عند أهل السنة وعليه أكثر الأمم ، ولكن العمل به كفر ، حكي عن الشافعي رضي الله عنه أنّه قال : السحر يخيل ويمرض وقد يقتل ، حتى أوجب القصاص على من قتل به ، فهو من عمل الشيطان يتلقاه الساحر منه بتعليمه إياه ، فإذا تلقاه منه بتعليمه إياه استعمله في غيره ، وقيل : إنه يؤثّر في قلب الأعيان فيجعل الآدمي على صورة الحمار ، ويجعل الحمار على صورة الكلب (٢) ، والأصح أن ذلك تخييل ، قال الله تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) [طه : ٦٦] ، ولكنه يؤثر في الأبدان بالأمراض والموت والجنون ، وللكلام تأثير في الطباع والنفوس ، وقد يسمع الإنسان ما يكره فيحمى ويغضب ، وربما يحم منه ، وقد مات قوم بكلام سمعوه ، فهو بمنزلة العوارض والعلل التي تؤثر في الأبدان.
قوله عزوجل : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ) ، أي : ويعلمون الذي أنزل على الملكين ، أي : إلهاما وعلما ، فالإنزال : بمعنى الإلهام والتعليم وقيل : واتّبعوا ما أنزل على الملكين ، وقرأ ابن عباس والحسن : «الملكين» بكسر اللام ، وقال ابن عباس : هما رجلان ساحران كانا ببابل ، وقال الحسن : علجان (١) ، لأن الملائكة لا يعلمون السحر ، وبابل هي بابل العراق ، سمّيت بابل لتبلبل الألسنة بها عند سقوط صرح نمرود ، أي : تفرّقها ، قال ابن مسعود : بابل أرض الكوفة ، وقيل : جبل دماوند (٣) ، والقراءة المعروفة : (عَلَى الْمَلَكَيْنِ) بالفتح ، فإن قيل : كيف يجوز تعليم السحر من الملكين (٤)؟ قيل : له تأويلان ، أحدهما : أنهما لا يتعمدان التعليم لكن يصفان السحر ، ويذكران بطلانه ويأمران باجتنابه ، والتعليم : بمعنى الإعلام ، فالشقي يترك نصيحتهما ويتعلم السحر من صنعتهما ، والتأويل الثاني وهو الأصح : أن الله تعالى امتحن الناس بالملكين في ذلك الوقت ، فمن شقي يتعلم السحر منهما [ويأخذه عنهما ويعمل به](٥) فيكفر به ، ومن سعد يتركه ، فيبقى على الإيمان ، ويزداد المعلمان بالتعليم عذابا ففيه ابتلاء للمعلم والمتعلم ، ولله أن يمتحن عباده بما شاء فله الأمر والحكم ، قوله عزوجل : (هارُوتَ وَمارُوتَ) : هما اسمان سريانيان وهما في محل الخفض على تفسير الملكين إلا أنهما نصبا لعجمتهما
__________________
(١) العلج : الرجل من كفّار العجم ـ ومعنى الكافر : الزارع كما في «القاموس».
__________________
(١) في نسخ المطبوع «ابن عباس رضي الله عنه» والمثبت عن المخطوط وكتب القراءات.
(٢) هذا قول باطل ليس بشيء. والصواب كما قال المصنف : هو تخييل.
(٣) في المخطوط «ديناوند».
(٤) في المطبوع «الملائكة».
(٥) سقط من المطبوع وحده.