الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١))
قوله عزوجل : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) ، وذلك أنهم [كانوا](١) يسألون النبيّ صلىاللهعليهوسلم الهدنة ويطمّعونه أنه إن أمهلهم اتّبعوه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، معناه أنك وإن هادنتهم فلا يرضون (٢) بها ، وإنما يطلبون ذلك تعلّلا ولا يرضون منك إلا باتّباع ملّتهم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا في القبلة ، وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون النبيّ صلىاللهعليهوسلم حين كان يصلّي إلى قبلتهم ، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة أيسوا منه أن يوافقهم على دينهم ، فأنزل الله تعالى : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ) ، إلا باليهودية ، ولا النصارى إلا بالنصرانية ، والملّة الطريقة ، (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) ، قيل الخطاب مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد به الأمة ؛ كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] ، (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) : البيان بأن دين الله هو الإسلام والقبلة قبلة إبراهيم عليهالسلام وهي الكعبة ، (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في أهل السفينة قدموا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا ، وقال الضحاك : هم ممّن آمن من اليهود عبد الله بن سلام وشعبة بن عمرو وتمام بن يهودا وأسد وأسيد ابنا كعب وابن يامين وعبد الله بن صوريا ، وقال قتادة وعكرمة : هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : هم المؤمنون عامة ، (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) ، قال الكلبي : يصفونه في كتبهم حق صفته لمن سألهم من الناس ، والهاء راجعة إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقال الآخرون : هي عائدة إلى الكتاب ، واختلفوا في معناه فقال ابن مسعود رضي الله عنه : يقرءونه كما أنزل ولا يحرّفونه ، ويحلون حلاله ويحرمون حرامه ، وقال الحسن : يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويكلون علم ما أشكل عليه إلى عالمه ، وقال مجاهد : يتّبعونه حقّ اتباعه ، قوله : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤))
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) ، قرأ ابن عامر : «إبراهام» بالألف في بعض المواضع ، [وهو ثلاثة وثلاثون موضعا ، جملته تسعة وتسعون موضعا](٣) ، وهو اسم أعجمي ولذلك لا يجري عليه الصرف ، وهو إبراهيم بن تارخ [هو آزر](٤) بن ناخور ، وكان مولده بالسوس من أرض الأهواز ، وقيل : بابل ، وقيل : كوثي ، وقيل : كسكر ، وقيل : حران ، ولكن أباه نقله إلى أرض بابل بأرض نمرود بن كنعان ، ومعنى الابتلاء : الاختبار والامتحان والأمر ، وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم بالابتلاء لأنه
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع وحده «يرجون».
(٣) زيد في المطبوع وحده.
(٤) زيد في المطبوع وحده.