عالم بهم ، ولكن ليعلم العباد أحوالهم حتى يعرف بعضهم بعضا ، واختلفوا في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم ، فقال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : هي ثلاثون سماهنّ ، شرائع الإسلام لم يبتل بها أحد فأقامها كلّها [إلا (١)] إبراهيم ، فكتب له البراءة ، فقال : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)) [النجم : ٣٧] ، عشر في براءة : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) [التوبة : ١١٢] إلى آخرها ، وعشر في الأحزاب (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [الأحزاب : ٣٥] إلى آخرها ، وعشر في سورة المؤمنين في قوله : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)) [المؤمنون : ١] الآيات ، وقوله : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢)) [المعارج : ٢٢] ، في سأل سائل ، وقال طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما : ابتلاه الله تعالى بعشرة أشياء ، وهي الفطرة خمس في الرأس : قصّ الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق والسواك وفرق الرأس ، وخمس في البدن : تقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء بالماء.
ع [٨١] وفي الخبر أن إبراهيم عليهالسلام أوّل من قصّ الشارب ، وأول من اختتن ، وأول من قلم الأظافر ، وأول من رأى الشّيب ، فلمّا رآه قال : يا ربّ ما هذا؟ قال : الوقار ، قال : يا رب زدني وقارا.
قال مجاهد : هي الآيات التي بعدها في قوله عزوجل : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) إلى آخر القصة ، وقال الربيع وقتادة : مناسك الحج ، وقال الحسن : ابتلاه الله بسبعة أشياء : بالكواكب والقمر والشمس فأحسن فيها النظر ، وعلم أن ربه دائم لا يزول ، وبالنار فصبر عليها ، وبالهجرة وبذبح ابنه وبالختان فصبر عليها ، قال سعيد بن جبير : هو قول إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان البيت : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) [البقرة : ١٢٧] الآية ، فرفعاه بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وقال يمان بن رباب : هنّ محاجة قومه ، قال الله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) [الأنعام : ٨٠] إلى قوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) [الأنعام : ٨٣] ، وقيل : هي قوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) ٧٨) [الشعراء : ٧٨] ، إلى آخر الآيات ، (فَأَتَمَّهُنَ) ، قال قتادة أدّاهنّ وقال الضحاك : قام بهنّ ، وقال يمان : عمل بهن ، قال الله تعالى : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) : يقتدى بك ، [في الخير](قالَ) إبراهيم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي). أي : ومن أولادي أيضا فاجعل أئمة يقتدى بهم [في الخير](٢) ، (قالَ) الله تعالى : (لا يَنالُ) : لا يصيب (عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، قرأ حمزة وحفص بإسكان الياء والباقون بفتحها ، أي : من كان منهم ظالما لا يصيبه ، قال عطاء بن أبي رباح : عهدي رحمتي ، وقال السدي : نبوّتي ، وقيل : الإمامة ، قال مجاهد : ليس لظالم أن يطاع في ظلمه ، ومعنى الآية : لا ينال ما عهدت إليك من النبوّة والإمامة من كان ظالما من ولدك ، وقيل : أراد بالعهد الأمان من النار ، وبالظالم المشرك ؛ كقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) [الأنعام : ٨٢].
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥))
قال الله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) ، يعني : الكعبة ، (مَثابَةً لِلنَّاسِ) : مرجعا لهم ، قال مجاهد
__________________
ع [٨١] ـ أخرجه مالك في «الموطأ» (٢ / ٩٢٢) والبيهقي في «الشعب» (٨٦٤٢ و ٨٦٤٠) عن سعيد بن المسيب به قوله.
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع وحده.