(أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) ، أي : بستان ، (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)](١) ، (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) ، أولاد صغار ضعاف عجزة ، (فَأَصابَها إِعْصارٌ) ، وهو الريح العاصف التي ترتفع إلى السماء كأنها عمود وجمعه أعاصير ، (فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) هذا مثل ضربه الله لعمل المنافق والمرائي ، يقول : عمله في حسنه كحسن الجنة وينتفع به كما ينتفع صاحب الجنّة بالجنة ، فإذا كبر أو ضعف وصار له أولاد ضعاف (٢) أصاب جنته إعصار فيه نار فاحترقت ، فصار أحوج ما يكون إليها وضعف عن إصلاحها لكبره وضعف أولاده عن إصلاحها لصغرهم ، ولم يجد هو ما يعود به على أولاده ولا أولاده ما يعودون به عليه ، فبقوا جميعا متحيّرين عجزة لا حيلة بأيديهم ، كذلك يبطل الله عمل هذا المنافق والمرائي حين لا مغيث لهما ولا توبة ولا إقالة.
ع [٣٠٥] قال عبيد بن عمير : قال عمر رضي الله عنه يوما لأصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم : فيمن ترون هذه الآية نزلت : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ)؟ قالوا : الله أعلم ، فغضب عمر رضي الله عنه ، فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين ، فقال عمر رضي الله عنه : [يا] ابن أخي قل ولا تحقر نفسك ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ضربت مثلا لعمل ، قال عمر رضي الله عنه : أيّ عمل؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : لعمل [منافق ومراء](٣) ، قال عمر رضي الله عنه (٤) : لرجل غني يعمل بطاعة الله بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق (٥) أعماله ، (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ) : من خيار ، قال ابن مسعود رضي الله عنه ومجاهد : من حلالات (ما كَسَبْتُمْ) ، بالتجارة والصناعة ، وفيه دلالة على إباحة الكسب ، وأنه ينقسم إلى طيّب وخبيث.
[٣٠٦] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن [محمد بن](٦) سمعان ، أخبرنا
__________________
ع [٣٠٥] ـ صحيح. أخرجه البخاري ٤٥٣٨ وعبد الله بن المبارك في «الزهد» ١٥٦٨ والطبري ٦٠٩٥ من طريق ابن أبي مليكة عن عبيد بن عمير به.
[٣٠٦] ـ حديث صحيح. إسناده صحيح ، حميد بن زنجويه ومن دونه ثقات ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، إبراهيم هو ابن يزيد ، والأسود هو ابن يزيد النخعي.
ـ وهو في «شرح السنة» ٢٣٩١ بهذا الإسناد.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ساقط من المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع «و».
(٣) لفظ «منافق» زيد في المطبوع والمخطوط ولفظ «مراء» زيد في المخطوط وسائر النسخ ، وكلا اللفظين ليس في «صحيح البخاري» و «تفسير الطبري» ، فالله أعلم.
(٤) زيد في المطبوع وحده «لأي» رجل؟ قال «فصار اللفظ من كلام ابن عباس» وليس كذلك.
(٥) في المطبوع وحده «أحرق» وهو أقرب إلى لفظ الآية ، لكن المثبت عن المخطوط و ـ ط ، و «صحيح البخاري» و «تفسير الطبري» و «الدر المنثور».
(٦) زيادة من المخطوط و «شرح السنة».