مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين صلّى العصر ، عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني (١) الحارث بن كعب يقول [بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم](٢) : ما رأينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا للصلاة في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، [فأراد الناس منعهم](١) ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «دعوهم» فصلّوا إلى المشرق ، فتكلم السيد والعاقب ، فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أسلما» ، قالا : قد أسلمنا قبلك ، قال : «كذبتما يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما لله ولدا وعبادتكما للصليب وأكلكما الخنزير» ، قالا : إن لم يكن ولدا لله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعا في عيسى ، فقال لهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه»؟ قالوا : بلى ، قال : «ألستم تعلمون أن ربنا حيّ لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء»؟ قالوا : بلى ، قال : «ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه»؟ قالوا : بلى ، قال : «فهل يملك عيسى من ذلك شيئا»؟ قالوا : لا ، قال : «ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء»؟ قالوا : بلى ، قال : «فهل يعلم عيسى من ذلك إلا ما علم»؟ قالوا : لا ، قال : «فإن ربّنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء (٢) ، وربّنا لا يأكل ولا يشرب» ، قالوا : بلى ، قال : «ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غذّي كما يغذّى الصبي ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث»؟ قالوا : بلى ، قال : «فكيف يكون هذا كما زعمتم»؟ (٣) فسكتوا ، فأنزل الله تعالى صدر سورة آل عمران ، إلى بضع وثمانين آية منها ، فقال عزّ من قائل : (الم (١) اللهُ). مفتوح الميم موصول (٤) عند العامة ، وإنما فتح الميم لالتقاء الساكنين ، حرّك إلى أخف الحركات ، وقرأ أبو يوسف ويعقوب بن خليفة الأعمش عن أبي بكر (الم (١) اللهُ) مقطوعا مسكن الميم على نيّة الوقف ، ثم قطع الهمزة للابتداء وأجراه على لغة من يقطع ألف الوصل ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، قوله تعالى : (اللهُ) ابتداء وما بعده خبره ، و (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) نعت له.
(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤) إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦))
(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) ، أي : القرآن ، (بِالْحَقِ) : بالصدق ، (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ، لما قبله من الكتب في التوحيد والنبوّة والأخبار وبعض الشرائع ، (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ).
(مِنْ قَبْلُ) ، وإنما قال : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) لأن التوراة والإنجيل أنزلا جملة واحدة ، وقال في القرآن : (نَزَّلَ) لأنه نزل مفصّلا ، والتنزيل : للتكثير ، والتوراة ، قال البصريون : أصلها وورية على وزن :
__________________
(١) في الأصل «وإذا» والتصويب من «أسباب النزول» للواحدي و «سيرة ابن هشام» و «تفسير ابن كثير».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من المصادر السابقة.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط وحده ، ليست في كتب التفسير والسير ، وقد أثبتها لأن فيها فائدة وضوح السياق.
(٢) زيد في ـ ط «وربنا ليس بصورة ، وليس له مثل» وليست في المخطوط والمطبوع ولا في «أسباب النزول».
(٣) زيد في المخطوط «أن يكون ابن الله» وليست في شيء من كتب التخريج.
(٤) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «موصولة».