القائل إذا قال قرأت المص عرف السامع أنه قرأ السورة التي افتتحت بالمص.
وروي عن ابن عباس : أنها أقسام ، وقال الأخفش : إنما أقسم الله بهذه الحروف لشرفها وفضلها لأنها مباني كتبه المنزلة ومبادئ أسمائه الحسنى.
(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢))
قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ) أي : هذا الكتاب وهو القرآن ، وقيل : هذا فيه مضمر أي هذا ذلك الكتاب ، قال الفراء : كان الله قد وعد نبيه صلىاللهعليهوسلم أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء ولا يخلق عن كثرة الرد ، فلما أنزل (١) القرآن قال : هذا ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أنزله عليك في التوراة والإنجيل ، وعلى لسان النبيين من قبلك ، وهذا للتقريب وذلك للتبعيد.
وقال ابن كيسان : إن الله تعالى أنزل قبل سورة البقرة سورا كذّب بها المشركون ثم أنزل سورة البقرة فقال : ذلك الكتاب يعني ما تقدم [سورة](٢) البقرة من السور ، لا شك فيه ، والكتاب مصدر وهو بمعنى المكتوب كما يقال للمخلوق [خلق](٣) ، وهذا الدرهم ضرب فلان ، [أي](٤) : مضروبه ، وأصل الكتاب الضم والجمع ، ويقال للجند كتيبة ، لاجتماعها وسمي الكتاب كتابا لأنه جمع حرف إلى أحرف. قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) ، أي : لا شك فيه أنه من عند الله وأنه الحق والصدق ، وقيل : هو خبر بمعنى النهي أي : لا ترتابوا فيه لقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) [البقرة : ١٩٧] ، أي : لا ترفثوا ولا تفسقوا ، قرأ ابن كثير فيه بالإشباع في الوصل ، وكذلك كل هاء كناية (٥) قبلها ساكن يشبعها وصلا ما لم يلقها (٦) ساكن ، ثم إن كان الساكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسر ياء ، وإن كان غيرها يشبعها بالضم واوا ، ووافقه حفص في قوله : (فِيهِ مُهاناً) [الفرقان : ٦٩] فأشبعه.
قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، يدغم الغنة عند اللام والراء أبو جعفر وابن كثير وحمزة والكسائي ، زاد حمزة والكسائي عند الياء ، وزاد حمزة عند الواو ، والآخرون لا يدغمونها ، ويخفي أبو جعفر النون والتنوين عند الخاء والغين ، (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، أي : هو هدى ، أي : رشد وبيان لأهل التقوى ، وقيل : هو نصب على الحال ، أي : هاديا تقديره لا ريب (٧) في هدايته للمتقين ، والهدى ما يهتدي به الإنسان ، للمتقين ، أي : للمؤمنين قال ابن عباس : المتقي من يتقي الشرك والكبائر والفواحش ، وهو مأخوذ من الاتقاء ، وأصله الحجز بين شيئين ، ومنه يقال : اتقى بترسه أي : جعله حاجزا بين نفسه وبين ما يقصده.
ع [٣٤] وفي الحديث : كنّا إذا احمرّ (٨) البأس اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم.
__________________
[٣٤] ـ صحيح. هو طرف حديث أخرجه مسلم ١٧٧٦ ح ٧٩ والبيهقي في «الدلائل» (٥ / ١٣٤ ـ ١٣٥) عن البراء به. وفيه «إذا احمرّ البأس» بدل «إذا اشتد».
ـ وله شاهد من حديث علي أخرجه أحمد ١ / ٨٦ وأبو الشيخ في «أخلاق النبي صلىاللهعليهوسلم» ص (٥٧) وأبو يعلى ٣٠٢ و ٤١٢ وإسناده صحيح.
(١) زيد في المطبوع وحده «الله» والمثبت عن المخطوط و ـ ط.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) زيد في المطبوع.
(٥) في المطبوع كتابة.
(٦) في المطبوع «يلها».
(٧) زيد في المطبوع «فيه».
(٨) في المطبوع «اشتد».