بويّه (١) الزّرّاد البخاري ، أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، ثنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ، ثنا أبو أحمد عيسى بن أحمد العسقلاني أنا يزيد بن هارون أنا كهمس بن الحسن ، عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر قال : كان أول من تكلم في القدر ـ يعني بالبصرة ـ معبد الجهني ، [قال] خرجت أنا وحميد بن عبد الرحمن نريد مكة فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألناه [عما] يقول هؤلاء ، فلقينا عبد الله بن عمر فاكتنفته أنا وصاحبي ـ اكتنفوا أي : أحاطوا ـ أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله ، فعلمت أنه سيكل الكلام إليّ فقلت : أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا أناس يتقفّرون (٢) هذا العلم ويطلبونه ، يزعمون أن لا قدر إنما الأمر أنف (٣) ، قال : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء وأنهم مني براء ، والذي نفسي بيده لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما قبل الله منه شيئا حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ، ثم قال : حدثنا عمر بن الخطاب ، قال :
بينا نحن عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ما يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فأقبل حتى جلس بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وركبته تمس ركبته ، فقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا» (١) ، فقال : صدقت ، فتعجبنا من سؤاله وتصديقه ، ثم قال : فما الإيمان؟ قال : «أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار وبالقدر خيره وشره» ، فقال : صدقت ، ثم قال : فما الإحسان؟ قال : «أن تعبد الله كأنّك تراه فإنّك إن لم تكن تراه فإنه يراك» ، قال : صدقت ، ثم قال : فأخبرني عن الساعة ، فقال : «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» ، قال : صدقت ، قال : فأخبرني عن أماراتها قال : «أن تلد الأمة ربّتها وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في بنيان المدر» (٤) ، قال : صدقت ، ثم انطلق ، فلما كان بعد ثالثة قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عمر هل تدري من الرجل؟» قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ، وما أتاني في صورة إلّا عرفته فيها إلا في صورته هذه» (٢).
فالنبي صلىاللهعليهوسلم جعل الإسلام في هذا الحديث اسما لما ظهر من الأعمال ، والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد ، (٣) وذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان ، والتصديق (٤) بالقلب ليس من الإسلام ، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد ، وجماعها الدين ، ولذلك قال : «ذاك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم» ، والدليل على أن [الأعمال من](٥) الإيمان ، ما :
__________________
وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري ٥٠ و ٤٧٧٧ وغيره.
(١) وقع في الأصل «محمد التوبة» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» و «الأنوار» رقم (٨٠)
(٢) وقع في الأصل «يتفقرون» والتصويب من «صحيح مسلم».
ومعنى «يتقفّرون العلم» : يطلبونه ويتتبعونه ـ وقيل : معناه يجمعونه.
(٣) وقع في الأصل «أفق» والتصويب من «صحيح مسلم».
و «إن الأمر أنف» أي مستأنف ، لم يسبق به قدر ، ولا علم من الله تعالى ، وإنما يعلمه بعد وقوعه.
(٤) في «القاموس» : المدر : قطع الطين اليابس ، والمدن ، والحضر.
__________________
(١) زيد في المطبوع الإسلام.
(٢) زيد في المطبوع هاهنا «قال الفراء».
(٣) زيد في المطبوع «ليس».
(٤) في المطبوع «وتصديق».
(٥) زيد في المطبوع.