العقاب بلا بيان ، وإن أنشأت بنفسها حكما ظاهريا ونجّزته ، فهو خلاف ما سيأتي من عدم منجّزية الأحكام الظاهرية مستقلا ، بل هو خلف التنزيل.
وهذه الشبهة مع شبهة ابن قبّة صارتا محورا وأساسا لأكثر المطالب الّتي ذكرت فيما بعد ، كما أنّها حرّكت علماء الأصول والفكر الأصولي ، ففرّعوا عليها كل ما هو جديد في مسألة حجيّة الإمارة والقطع والأحكام الظاهرية ، يلتمسون بذلك تخريجات وتفسيرات لحقيقة الحكم الظاهري وكيفية الجمع بينه وبين الحكم الواقعي.
والصحيح : هو انّ هذه الشبهة ، لا أساس لها على مبنانا ، وإنّما هي شبهة تامة بناء على مسلك القائلين بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وذلك لأنّه بعد إنكارنا لهذه القاعدة ، والبناء على مسلك حق الطاعة للمولى في موارد الشك والجهل بالواقع ، تصبح الإمارة منجزة ، وتصبح هذه الشبهة بلا موضوع ، لأنّ مقتضى الأصل أن يصبح التكليف المولوي منجزا إذا وصل إلى المكلّف بأيّ درجة من درجات الوصول ، سواء كان مقطوعا ، أو موهوما ، فتكون الإمارة منجزة لكونها مؤكدة وموجبة لإلزام المكلّف اتجاه مولاه بما دلّت عليه.
إذن : كل تكليف غير مقطوع العدم هو منجز ، ونحتاج لرفع اليد عن تنجزه إلى القطع بإذن الشارع.
وبناء على هذا ، فلا موضوع لتلك الشبهة ، لأنّ الإمارة ، إمّا أن يفرض أنّها تنجّز التكليف المشكوك ، وذلك بأن تثبت وجوبا أو حرمة ، وإمّا أن يفرض أنّها معذرة ، بمعنى أنّها تثبت الرخصة.
والقسم الأول ، هو مورد الشبهة ، حيث يقال : كيف تنجز الواقع المشكوك مع أنّه يقبح العقاب بلا بيان؟.
فنقول : إن تنجز الواقع على القاعدة ، والإمارة ليست إلّا مؤكدة