بلحاظ الموافقة العملية ، لأنّ المخالفة الاحتمالية قهرية سواء جرت الأصول أم لا ، والمخالفة القطعية مستحيلة سواء جرت الأصول أم لا ، إذن لا محذور من ناحية المخالفة العملية ، لكن قد ينشأ محذور من ناحية المخالفة الالتزامية ، كما لو تعبّدنا بعدم الوجوب ، وعدم الحرمة ، فمعناه أنّه لم نلتزم بحكم الله تعالى في هذه المسألة الدائرة أمرها بين الوجوب أو الحرمة ، إلى غير ذلك من الموارد الّتي تظهر فيها ثمرة المخالفة الالتزامية ، وقبل الدخول في تحقيق الحال في ذلك ، لا بدّ من بيان معنى الموافقة الالتزامية الّتي يدّعى وجوبها حيث يحتمل فيها عدّة احتمالات.
وقبل بيان هذه الاحتمالات ، لا بدّ من شرح معنى الموافقة الالتزامية فنقول : إنّ الموافقة الالتزامية هي عبارة عن فعل نفساني واقع تحت اختيار المكلّف ، وهذا الفعل هو سنخ توجّه مخصوص من قبل النّفس نحو مطلب «ما» بحيث ينتزع من هذا التوجّه مفهوم الخضوع والتسليم والانقياد ، وهذا أمر اختياري للنفس ، إذن ، ليست الموافقة الالتزامية مجرد القطع واليقين والعلم بالمطلب ، إذ قد يفرض أنّ الإنسان يحصل له اليقين بنبوّة إنسان أو إمامته أو أعلميته ، لكنّه مع هذا لا يلتزم بذلك ، بمعنى أنّه لا يتوجه إلى هذه النّبوّة أو الإمامة توجها نفسيا خاصا بحيث ينتزع منه عنوان الخضوع والانقياد لذلك النّبيّ ، بل هو في مقام التوجيه يعرض عنه وإن كان في واقع نفسه يقطع بأنّ هذا نبي.
ومن هنا يعلم ، انّ الالتزام ليس مساوقا لليقين والقطع ، بل معناه ما تقدّم ، إذن فهو من أفعال الجوانح وليس من أفعال الجوارح.
وحينئذ ، يقع الكلام ، في أنّ الحكم الشرعي كما يستدعي فعلا جارحيا ، فهل يستدعي فعلا جانحيا بحيث نتوجّه إلى الحكم الشرعي توجها مخصوصا ، والمعبّر عنه بالالتزام بالنحو الّذي عرفت أم لا؟.