لا يمكن أن تشكل بمفردها أدلة مثبتة للحكم الشرعي ، لأنّ العقل إذا حكم بالاستحالة في مورد فهذا يكفي وحده لنفي الحكم والتكليف الشرعي فيه ، لكنّه إذا حكم بالإمكان أو الاستحالة ، فحكمه حينئذ ، لا يكفي في إثبات الحكم الشرعي ، بل يحتاج إثبات الحكم حينئذ إلى ضم ضميمة خارجية إليه.
ب ـ الباب الثاني : باب العلية والمعلولية ، من قبيل أن يفرض أنّ العقل النظري أدرك الملاك التام والمصلحة الملزمة التامة في «فعل» فيستكشف استكشافا لمّيا ـ أي أنّه ينتقل من العلّة إلى المعلول ـ وجود الحكم في مورد وجدت فيه تلك العلّة ، وكذلك في موارد الأولوية ، كما لو ثبت بقوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) حرمة هذا الكلام ، فهنا يستقل العقل ويحكم بأنّ تمام المحذور الموجود في هذا الكلام موجود بنحو أتمّ في الضرب ، والشتم ، إذن بقانون العليّة ، يحكم العقل بأنّ المساوي للعلّة علّة لا محالة ، وكذلك علية وجوب الشيء لوجوب مقدمته أو لحرمة ضده ، فإنّ هذه العلية على فرض ثبوتها يدركها العقل النظري.
وقد يدرك العقل معلولية شيئين لعلّة واحدة بحيث إذا ثبت أحد المعلولين ثبت الآخر لا محالة ، فكل هذه الأحكام المدركة بالعقل النظري ترجع إلى باب العلية.
ومن هنا يظهر أنّ العقل النظري قد يستقل أحيانا في إثبات هذه الأحكام ، وقد لا يستقل في إثباتها أحيانا أخرى.
٢ ـ القسم الثاني : الدليل العقلي المقتنص من العقل العملي ، فإنّ العقل العملي لا ينهض وحده ولا يكفي لاستنباط الحكم الشرعي ، بل لا بدّ من أن ينضم إليه العقل النظري كي تتم عملية الاستنباط ، فالعقل العملي في المقام قد يدرك قبح الكذب ، ولكن هذا الإدراك وحده لا يكفي لاستنباط الحكم الشرعي بحرمة الكذب ما لم نضم إليه عقلا نظريا