وقيل بأنّ العقل العملي هو إدراك ما ينبغي أن يقع.
والأحسن تبديل هذا التعبير فيقال : إنّ العقل العملي بحسب الدقة هو أيضا إدراك ما هو واقع ، وذلك لأنّ العقل العملي يدرك حسن الأشياء وقبحها ، والحسن والقبح حيثيتان واقعيتان ثابتتان في لوح الواقع ، فكما انّ العقل النظري يدرك الإمكان والاستحالة ، وهما ثابتان في لوح الواقع ، فكذلك العقل العملي يدرك الحسن والقبح ، «وأنّ هذا ممّا ينبغي ، وهذا ممّا لا ينبغي» ، ونفس الانبغاء واللّاانبغاء أمر ثابت في لوح الواقع ، لكن الفرق بينهما هو ، أنّ الأمر الواقعي المدرك للعقل ، إن كان لا يستدعي بذاته جريا على طبقه فهو من مدركات العقل النظري ، وإن استدعى بذاته وبلا ضميمة الجري على طبقه فهو من مدركات العقل العملي ، إذن ، مدركات العقلين أمور واقعية لكنّها تختلف من حيث استدعائها للجري على طبقها بذاتها ، وعدم استدعائها ذلك.
ثمّ انّ تشكيل الدليل العقلي على الحكم الشرعي ، تارة ، يكون مقتنصا من العقل النظري ، وأخرى يكون مقتنصا من العقل العلمي ، إذن ، فهنا قسمان من الأدلة العقلية.
١ ـ القسم الأول : الدليل العقلي المقتنص من العقل النظري ، وهذا الدليل يرجع إلى أحد بابين.
أ ـ الباب الأول : باب الإمكان والاستحالة ، فإنّ العقل حاكم في هذا الباب ، وهو كما يدرك الإمكان والاستحالة بحسب عالم التكوين كذلك يدركهما بحسب عالم التشريع أيضا ، فالعقل يحكم مثلا باستحالة اجتماع الوجوب والحرمة ، ويحكم باستحالة الخطاب الترتبي ـ على مبنى الكفاية ـ ويحكم بالإمكان على مبنانا.
وهذه الأحكام ، يمكن أن تشكل أدلة عقلية على الحكم الشرعي ، لكن بمعنى أنّها يمكن أن تشكل بمفردها أدلة نافية للحكم الشرعي ، لكن