لاستكشاف وجوب الصدق أو حرمة الكذب ، ما لم نضمّ إليه قانونا وقضية أخرى من العقل النظري هي قانون الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، وانّه كلّما حكم به العقل حكم به الشرع ، فإذا ثبت هذا التلازم ، حينئذ ، يمكن استكشاف الحكم الشرعي من العقل.
وقد توهم بعض الأكابر كما ورد في كلماته (١) ، انّ الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع واضحة في المقام ، باعتبار انّ الشارع سيّد العقلاء فإذا حكم العقلاء بحكم بما هم عقلاء ، كان الشارع في طليعتهم وأول الحاكمين به ، ومن هنا قال المحقّق الأصفهاني «قده» ، انّ التعبير بالملازمة ، فيه تسامح ، بل الأنسب التعبير بالتضمن ، أي انّ حكم العقل والعقلاء يتضمن حكم الشارع لاندراج الشارع في العقلاء ، فيكون حكمه ضمن حكمهم.
ولكن هذا الكلام غير تام ، وذلك لأنّ الحسن والقبح ليسا حكمين مجعولين من قبل العقلاء كي يقال : انّ جعل العقلاء لحكم يكشف عن جعل الشارع له ، لأنّه منهم ، بل سيّدهم ، بل الحسن والقبح أمران واقعيان ثابتان في لوح الواقع ، وقولنا : العقلاء يحكمون بهما ، يعنى : انّهم يدركونهما لا أنّهم يشرعونهما ويجعلونهما ، فحينما نقول : بأنّ العقلاء يدركون الحسن والقبح ، نقول أيضا ، إنّ الشارع يدركهما ضمنا ، لكن فرق بين إدراك الشارع لشيء ، وبين جعله الحكم على طبقه ، فإنّ إدراك الحكم لا يلزم منه جعله لا التزاما ، ولا تضمنا ، إذن فإدراك العقلاء لشيء وإن كان يتضمن إدراك الشارع ، لكن حكمهم على شيء ، لا يتضمن حكم الشارع عليه أصلا ولا يلزمه.
وكأنّ هذا الكلام صدر عن الأصفهاني «قده» بناء على مبناه في
__________________
(١) نهاية الدراية : الأصفهاني ، ج ٢ ، ص ٨ ـ ١٢٤.