عقلا ، لكن إذا حكم الشارع بحرمتها ، صارت خيانة للشارع ومعصية له ، فوجد فيها هنا ملاك آخر للقبح ، وبهذا يتأكد المحرك والزاجر العقلي ، لتعدّد الحيثيّات الموجبة لاشتداد الحسن والقبح ، إذن فهذه الدعوى إنّما تردّ إذا لم يكن الحسن والقبح قابلا للاشتداد والتأكيد.
والصحيح هو أن يقال : انّ الحسن والقبح بثبوتهما الواقعيين وبما يستتبعان واقعا ـ بقطع النظر عن جعل جاعل ـ من استحقاق المدح والثواب والذمّ والعقاب ، لهما محركيّة ذاتية وزاجرية ذاتية أيضا بمرتبة من المراتب ، وحينئذ يقال : انّ الشارع بعد التفاته للحسن والقبح ، وإدراكه لما ندركه من حسن هذا ، وقبح ذاك ، تارة يكون غرضه ـ في مقام حفظ هذا الحسن وترك ذاك القبيح ـ بنفس مرتبة وحافظية تلك المحركيّة الذاتية للحسن والقبح العقليين الواقعيين ، ففي مثله ، لا مجال لإعمال المولى مولويته في جعل حكم جديد ، غايته أنّه يرشد إلى الحسن والقبح العقليين الموجودين في المقام ، وتارة أخرى تكون درجة اهتمام المولى ـ في حفظ هذا المرام من عدم ارتكاب ذلك القبيح أو فعل ذلك الحسن ـ أشدّ وأقوى من الحافظية الذاتية الضيقة للحسن والقبح لو خلّي وأنفسهما ، ففي مثله يتصدّى المولى بنفسه لإصدار الأمر والنهي لأجل تأكيد تلك الحافظية ، وحينئذ ، يحصل حكم شرعي مولوي على طبق الحسن والقبح.
وتشخيص مرتبة اهتمام المولى في المقام بالحسن والقبح ، تارة يكون بدليل شرعي ، وأخرى يكون راجعا إلى مناسبات وأذواق عقلائية ، لا يمكن التعويل عليها ، ما لم تبلغ إلى درجة الجزم واليقين الأصولي ، وبناء عليه : يصحّ القول انّه لا برهان ـ مبدئيا ـ على ثبوت الملازمة بين الحسن والقبح العقليين ، وبين حكم الشارع ، بمعنى أنّه لا دليل على أنّه كلّما حكم به العقل حكم به الشرع.