والّذي ينبغي أن يقال في المقام هو ، التفصيل بين هذه الوظائف ، غير التنزيلية منها «كالبراءة والاشتغال» ، وبين التنزيلية منها ، «كالاستصحاب وسائر الإمارات».
أمّا بالنسبة للأصول غير التنزيلية ، كالبراءة ، والاشتغال ، فقد يتوهم إمكان ذلك في البراءة ، بتقريب : انّه تارة يشك في وجوب السورة واقعا ، فتجري البراءة عن وجوبها الواقعي ، وتارة أخرى يشكّ في وجوب الاحتياط في موارد الشك فتجري البراءة عن وجوب الاحتياط.
ومن المعلوم أنّ وجوب الاحتياط حكم ظاهري ، ففي المقام جرت البراءة عن الحكم الظاهري كما جرت عن الحكم الواقعي.
إلّا أنّ هذا الكلام غير تام ، لأنّا نقول : إنّه في حالة إجراء البراءة عن الحكم الظّاهري ، هل نجريها عن الحكم الواقعي المشكوك أم لا؟
فإن قيل بالأول ، ففيه : إنّه إذا جرت في الحكم الواقعي ، فهذا وحده كاف ، لأنّه بإجرائها في الحكم الواقعي يحصل التأمين ، ومعه لا يترقب تنجيز في مرحلة الظّاهر ، لأنّه ليس للظاهر امتثال مستقل في قبال الواقع ، وعليه : فلا حاجة لإجرائها في الحكم الظّاهري.
وإن قيل بالثاني ففيه : إنّ إجراءها عن الحكم الظّاهري وحده لا يكفي ، لأنّا نحتاج إلى مؤمّن بالنسبة للحكم الواقعي ، ولا مؤمّن سوى البراءة ، وعليه : فالصحيح في المقام ، انّ أصالة البراءة تجري في الحكم الواقعي ، والدليل الدال على جريانها فيه هو بنفسه دليل اجتهادي على عدم وجوب الاحتياط بنحو الدلالة الالتزامية ، فدليل البراءة ينفي الحكم الظّاهري التزاما ، باعتبار المنافاة بين الأحكام الظّاهرية العرضية كما هو محقق في محله.
وبهذا يثبت أنّ الحكم الظّاهري لا يكون موضوعا لأصالة البراءة على نحو الاستقلال.