وهذا النقض لا يرد على القول بالعليّة ، إذ بناء عليها يستحيل الترخيص الظاهري في المخالفة الاحتمالية ، بل حتّى لو ساعد إطلاق دليل على ذلك ، وجب رفع اليد عن هذا الإطلاق.
وكأنّ هذا النقض شاع عن المحقّق العراقي «قده» واستحكم ، حتّى أنّ المحقّق الكاظمي مقرر بحث الميرزا «قده» في فوائده هوّن من شأن هذا النقض ـ معتذرا بأنّ هذا النقض إنّما توسع واستحكم ، لأنّ شبهة التخيير في جريان الأصول أصبحت مركوزة في أذهان المحصلين ، وأنّه بعد هذا البيان لم يبق من هذه الشبهة أثر ولا عين.
والإنصاف إنّ ما ذكره الميرزا «قده» لا يدفع هذه الشبهة وهذا النقص ، لأنّها شبهة قوية ومستعصية خصوصا على القول بالاقتضاء ، فإنّ تخريج عدم جريان الأصول بنحو التخيير ـ بناء على الإطار الفكري لعلماء الأصول ـ في غاية الإشكال ، وما ذكره الكاظمي «قده» في فوائده لا يرجع إلى محصّل معقول بحيث يكون جوابا على هذه الشبهة.
ولكن سوف نتعرّض لبحثها في موردها في الأصول العملية ، لأنّ بحثها مرجعه إلى موارد جريان الأصول ، بينما الكلام هنا هو في مقدار ما يرجع لتنجيز العلم ، وأمّا جريان الأصول فعلا فهو بحث إثباتي موكول إلى الأصول العملية ، وهناك سنذكر هذه الشبهة ، ونوضح عدم ورودها على القول بالاقتضاء ، كما سنوضح هناك ، انّ التخيير بالمعنى الّذي أفاده المحقّق العراقي «قده» هو على خلاف صناعة الأدلة.
٢ ـ النقض الثاني : للعراقي «قده» (١) هو ، أنّه إذا كان العلم الإجمالي مقتضيا لوجوب الموافقة القطعية ، لا علّة تامة له ، إذن فالعلم التفصيلي أيضا كذلك إذ لا فرق بينهما من هذه الناحية ، ولازم ذلك أنّ
__________________
(١) منهاج الأصول : الكرباسي ، ج ٣ ، ص ٨٧ ـ ٨٨.