(قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤))
قال بعضهم : لا يظهر الإيمان على أحد إلا لسعادة سابقة له في الأزل ونور متقدم ، ثم زيّن السماوات والأرضين بأنوار ملكوته وجبروته ، وأظهر منها سبحات جلاله وشهود عظمته لنظار المعارف وألباء الكواشف ، ودعاء الأحباء والأعداء إلى النظر إليهما بقوله : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : ما يبرز من نوره من جبين الشمس وسناه من عارض القمر وضيائه من مرآة الكواكب ، الذي انكشف لخليله ، وسليبه من الحدثان إلى رؤية القدم بالنظر إلى هذه الوسائل ، حين قال : (هذا رَبِّي) ، ثم أخبر عن خروجه منها إلى أنوار السرمدية والفردانية بقوله : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨)) : أي : لو أن لكم بصائر الصفاتية وأبصار الذاتية انظروا ؛ فإن جمال القدم ظاهر للعاشقين ، عيان للمشتاقين ، وبيان للمحبين ، ثم بيّن أن من لم يكن له عين من تلك العيون ، ونور من تلك الأنوار ، ألا ترى جماله وجلاله ثم بينّ أن من لم يكن له عين من تلكم العيون ، ونور من تلك الأنوار ، ألا ترى جماله وجلاله تعالى يقول : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) أي : كيف يفعل الايات بمن خلق محروما عن الإيمان بمكون الايات.
قال بعضهم : لا تصل العقول الخالية عن التوفيق إلى سبيل النجاة ولما يفنى ضياء العقل مع ظلمة الخذلان ، إنما ينفع أنوار العقل من كان مؤيدا بأنوار التوفيق وعناية الأزل ، وإلا فإنه متخبط في هلاكه بعقله.
قوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) : إن الرسل وأتباعهم من المؤمنين محفوظون بنور عنايته عن اقتحام قهره عليهم ، نجّا الأنبياء والمرسلين من حجاب الخطرات ، ونجّا العارفين من حجاب الشهوات ، ونجّا المؤمنين من غارات إبليس وسلب الشياطين إيمانهم برعايته القديمة المقرونة بمحبته الأزلية إياهم ؛ لأن من أحبّ أحدا حفظه عن مهالك البعد منه.
(نُنَجِّي رُسُلَنا) منا ، وننجي المؤمنين من قهرنا الأنبياء في عين الجمع ، وهم في عين التفرقة ، هم في الذات ، وهم في الصفات ، وكان (حَقًّا عَلَيْنا) نجاة العارفين ؛ لأنا