اصطفيناهم في الأزل بالكرامات والولايات ، ومن اصطفيناه حقّا علينا الوفاء بما أخبرنا عن نفسنا في حقه.
قال بعضهم : (نُنَجِّي رُسُلَنا) من مراد النفس ، وغلبة الشهوة ، وغفلة الوقت وسطوات العدو وشتات السر ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالرسل نجريهم على مناهج الرسل ، (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا) نجاة من صدق في عبوديته.
(وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩))
قوله تعالى : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) ، (لِلدِّينِ) ها هنا : محبة الله والشوق إلى لقائه ، ومعرفة صفاته أي : أقبل بوجهك إلى هذه الصفات الحنيفة الخليلة المبرأة عن محبة كل مخلوق سوانا ، ثم أقبل بهذه الصفات جميعا وجهك الاستقامة إلى مشاهدة وجهنا الأزلي المنزه عن المخاييل والتصاوير حتى تراني بي ، وتصل إليك أنوار وجهي الذي لو أشاط ذرة منها على جميع الأكوان والحدثان من العرش إلى الثرى يضمحل جميعا تحت أنوار سلطان بهائي وجلالي ، قال عليهالسلام : «حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» (١) : أي : يستقيم لي في ذلك المقام حتى تطيق أن تحمل أثقال أنوار مشاهدتي ، ثم خوّفه من الالتفات إلى غيره في إقباله عليه بقوله : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) : من الطالبين من غيري ، والاسرين على حبال مشاهدتي ما لا يليق به من الحدثان.
قال ابن عطاء : صحح معرفتك ، ولا تكونن من الناظرين إلى شيء سوى الحق ، فيمقتك الله ، وإقامة الملة الحنيفية ، هو تصحيح المعرفة.
ثم زاد تأكيد الإقبال عليه والإعراض عما سواه بقوله : (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) : شدد أمر التوكل والاعتماد عليه بقطعه طريق الإعراض عما سوى وصاله ، وبيّن أن من نظر إلى غيره عند امتحان الله بالسراء
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ١٦١).