والضراء يكون مغلوب قهره ، متروك حظه ، محروما من مراده ، محجوبا عن الله بغير الله ، باقيا في فوات المراد ، ومن كان بهذه الصفة فهو ظالم ؛ حيث وضع الربوبية عند من لا يستقيم في العبودية.
قال شقيق : الظالم من طلب نفعه ممن لا يملك نفع نفسه الضر ممن لا يملك الدفاع عن نفسه ، ومن عجز عن إقامة نفسه كيف يقيم غيره! قال الله : (فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ).
ثم زاد تأكيدا إليه في رجوع عباده بالكلية وإعراضهم عما سواه بقوله : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) : عرّف حبيبه أن كل حركة من العرش إلى الثرى فهو تعالى محركها ، وكل روح وجسد وقلب ونفس وهمة وعقل وكفاية مستغرقة في بحار مقاديره لا يجري عليهم إلا موارد القضاء والقدر ، وكل مشيئة في الامتحان بالضر وإيصال النفع تصدر من حكمة السابق ، فينبغي ألا يرى الغير في البين ، (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) الحجاب (فَلا كاشِفَ) لذلك (إِلَّا) ظهور أنوار وصاله ، (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) كشف جماله ، (فَلا رَادَّ) لفضل وصاله من سبب ، وعلة من الألوان والأعمال ، فإن المختص في الأزل بوصالنا لا يحتجب بشيء من الأشياء ؛ لأنه في الفضل السابق مصون عن جريان القهر.
ثم علق ذلك بمشيئته السابقة ، وأخرجه عن اكتساب البشر بقوله : (يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) من عرفانه ؛ لأنه ساتر الأولياء في قباب عصمته عن طوفان قهره رحيم بهم ؛ حيث ربّاهم بجماله ، وآواهم إلى وصاله.
قال ابن عطاء : قطع الحق على عباده طريق الرغبة والرهبة إلا إليه بإعلامه أنه الضار النافع.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) : الحق هو القرآن في ظاهر التفسير وحقائقه وتجلي ذاته في صفاته ، وصفاته في فعله ، فوصل بركة تجليه إلى كل مبارك ، وانصرف نوره عن كل محروم ، ثم بيّن سبحانه أن عروس القدم قد انكشف لأهل العدم ، فمن رآه رآه بحظه الوافر ، ومن أخطأه أخطأ طريق النجاة بقوله : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) : أي : من عرفني فمعرفته راجعة إليه ، ومن جهلني فجهله راجع عليه ، فإن ساحة الكبرياء منزّهة عن معرفة العارفين وجهل الجاهلين ؛ حيث ما استوحش حين جهلوه ، وما استأنس حين عرفوه ، ثم بيّن أن المتولي تعالى