بالرسالة ، فقد اختارهم بالولاية ، يختص برحمته من يشاء لا ينظروا إلى انكسارهم في الطريقة ، وإعراضهم عن دنيا الدنية ورثاثة ثيابهم ، وصفرة ألوانهم وقصر أكمامهم ، فإنهم حمائم أبراج الملكوت وبزاة معارج الجبروت.
قال أبو عثمان في هذه الاية : ما أنا بمعرض عمن أقبل على الله ، فإن من أقبل على الله بالحقيقة أقبل الله عليه ، ومن أعرض عمن أقبل على الله فقدره أعرض عن الله.
(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥) وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩))
قوله تعالى : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) أي : كيف تنفع نصيحتي لكم ولم يخلقكم الله على استعداد قبول ، وذلك من شقاء الأزل ، والنصيحة لا تنفع إلا لمن كان في قلبه زاجر من ربه يمنعه من المعصية ويحثه على استماع النصيحة.
قال حمدون القصار : لا تنفع النصيحة لمن لم ينصح نفسه.
قوله تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧)).
قوله تعالى : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) : في هذه الكلمة إشارة عين ، وذلك استعارة عين الربوبية من عيون الأزلية ، ليبصر بها حقائق الصنوع في علم الله ، فيصنع الفلك بمنقوشه على نقش خاتم علم ملك الأزل أي : اصنع الفلك بعيني كما كنت أردت وجود السفينة في الأزل ، وذكر الأعين ، وهذا إشارة إلى عيون الصفات التي معادن أنوارها حقائق الذات أي : لتصف عينك في صناعة الفلك بأعين الصفاتية لترى بها ما أردنا من هيئتها وتركيبها ، وذلك موجود في كلامه على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم ، حيث حكى عن الله سبحانه بقوله : «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» (١).
__________________
(١) رواه البخاري (٥ / ٢٣٨٤).