السعادة ، ومن أجري له في السبق الشقاوة كتب له بالشقاوة : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١)) ، وألسنة الأنبياء والأولياء قاصرة عن سؤال مخالفة ما جرى في الأزل ؛ لأنه حكم القاهرية سلطان الجبارية.
قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) : البحر بحر القدم والأبد ، والسفينة قلب العارف يجري بشمائل العناية بروح الناطقة الربانية ، (بِسْمِ اللهِ مَجْراها) في قلزم الصفات (وَمُرْساها) في قاموس الذات.
ثم أخبر سبحانه عن كمال كرمه ؛ حيث لم يسد عليها الجري في الصفات مع حدوثيتها ، ولم يفنها في الذات مع ضعفها بقوله : (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
وأيضا أي : بسط الله إياها بأنوار جمال مشاهدته جريها في الصفات ، ويقبض الله بسطوات العظمة سكونها وثبوتها.
(قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قال ينوح إنه ليس أهلك من إنه عمل غير صلح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجهلين (٤٦))
قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) أي : لا عاصم عند صولة تلاطم بحر القهريات إلا عواصم أنوار اللطيفات من التجأ إليه منه نادبه عنه.
قال الأنطاكي : لا اعتصام لأحد من خلق الله إلا بالله.
وقيل : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) : إلا من دلّه على الاعتصام به ، وذلك الذي يعصمه الله من أمره.
قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) : لما غاصت سفينة القلوب في بحار غيوب القدم ودارت في لجج عظمتها كادت أن تغرق بطوفان غيرتها ، فسبقت لها عناية الأزلية ، وما أبقتها في بحار الفناء ؛ لئلا يفني العبودية في سطوات الربوبية ، فنادت ألسنة الوصال إلى سماء كمال الذات وأرض الصفات : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) ، فامتنعت الذات والصفات عن دركها ، وتلطفت الصفات