والذات عليها بإرجاعها إلى مشاهد الأفعال والايات ، واندرس عليها مسالك الازال والاباد ، وهذا معنى قوله : (وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) : جرى عليها أحكام معارف الذات والصفات ، وغرق منها ما دون الذات والصفات في الذات ، والصفات من النفوس ، وهواجسها والشياطين ووساوسها ، والعقول ومراتب مقاماتها ، والكونين والعالمين ، واستوائها بنعت التمكين على جودي الطريق ، والحقيقة أن تكون ساكنة بعد الاضطراب في المواجيد ، وصاحية بعد السكر بأشربة بحار المقادير ، وهذه برمتها مشروحة في قوله النبي صلىاللهعليهوسلم حيث دنا من الوصال وتدلى إلى مشاهدة الجمال ، وكان بين قاب قوسي الأزل والأبد بقوله : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) ، واستعاد في دنو الدنو من الغرق في بحار الأزل والفناء في ميادين الأبد من قهر طوفان قلزم الكبرياء والعظمة ، بما سبق له من حسن عناية القدم بنعت الرضا بقوله : «أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك» (١) ، كان عليهالسلام في مدارك الصفات ، ومرائي أنوار الذات سابحا في بحر حقائق الأزلية ، فخاف من فنائه في قهر النكرات ، ففرّ تارة من الصفة إلى الصفة ، وتارة من الفعل إلى الفعل ، ومن الذات إلى الذات تارة ، فقال : أعوذ برضوان عنايتك ، ومن سخط غيرتك عليك ، أن يعرفك أحد غيرك ، وأيضا أي : أعوذ برضوان جمالك من سطوات جلالك حتى لا أفنى بك فيك ، وأعوذ برضا بقائك من صولة عساكر قدمك.
فلما دار في الصفة وخاف من الزوال فرّ منها إلى أنوال الأفعال ؛ ليروح فؤاده الغائب في الألوهية عن أثقال رجاء العزة ، فقال : «أعوذ بمعافاتك من عقوبتك» (٢) : بمعافاة دعائك الأزلي من عقوبة هجرانك الأبدي ، فلما استروح من أثقال السير في الصفات بلطائف الأفعال رجع إلى مشاهدة الذات ، فقال : «أعوذ بك منك» (٣) : أعوذ بفردانيتك من حلاوة جمال مشاهدتك ، التي تصير العاشق بك بنعت وحدانيتك ، حتى يخرج بدعوى الأنائية في مشهد تنزيلها ، أعوذ بك من هذا المكر حتى أكون لا أكون أنت تكون ، وأزول كما لم أزل أزول ، وتكون كما لم تزل تكون ، فلما فني عن رسوم العبودية وعن مشاهد الربوبية من الأفعال والصفات وبقي بإزاء أنوار الألوهية بنعت استقامة التوحيد ، وإفراد القدم عن الحدوث ، واستعار من الحقّ لسان الأزلي ، وأثنى به عليه ، فقال : «لا أحصي ثناء عليك» (٤) ، ثم أخرج
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ٣٥٢).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم تخريجه.