(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠))
قوله تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) : ليس للصادقين مع الخلق معاداة بسبب من أسباب الدنيا ، إنّما أبغضهم وخالفهم حين يتركون متابعة السنة وما يعطونهم ، إلا بعد تركهم هوى نفوسهم ، ولا ينصحهم إلا شفقة عليهم.
قال أبو عثمان : ليس بواعظ من كان واعظا بلسانه دون عمله.
وتصديق الاية قوله : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أي : ما كان في عقلي ونيتي من قوة الله أريد بها إصلاحكم ، ولكن الهداية والتوفيق ليست معي ، ولا أطيق أن أنقذكم مما جرى عليكم في الأزل : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) أي : اصطفائيتي بالنبوة والولاية باختيار الله في الأزل : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) : أسكن به لا لغيره ، واثق به فيما وعد لي ، (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) : أرجع إليه بنعت شوقي إلى لقائه.
قيل في قوله : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أي : مرادي صلاحكم أن يساعدكم التوفيق ، ولا أستطيع أنا ذلك لكم إلا بمؤنتي من الله لي عليه.
قال النهرجوري : التوفيق حسن عنايته من الحق سبق إلى العبد ليس له فيه سبب ، ولا منه له طلب.
قال الجنيد : التوكل ألا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدة الفاقة ، ولا يزول عن حقيقة السكون إلى الحق مع وقوفك عليها.
قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) أي : استغفروا مما جرى على قلوبكم من أنكم قدرتم بشيء من الطاعة والعصيان ، فإنّ الطاعة والعصيان لا يتعلقان إلا بالسعادة والشقاوة الأزليتين ، والرضا والسخط.
(ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي : تبرءوا من حولكم وقوتكم ، فإذا تيقنتم ذلك وخرجتم من رؤية وجودكم يلبسكم ربي لباس معرفته ؛ لأنه رحيم بعارفيه ، ويلقي حلاوة ؛ فإنه ودود لأهل وده.
وقال محمد بن فضل : من لم يكن ميراث استغفاره بصحيح توبته كان كاذبا في