(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧))
قوله تعالى : (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) : أراد خير الدنيا الذي هو محل الاستدراج والامتحان ، وإن رأى خير الاخرة ما خاف عليهم وأهل المعرفة ، إذ رأوا أنفسهم في أعالي الدرجات والمقامات والاستقامة ، زاد لهم خوفا ؛ لأنهم عرفوا الله بغيرة القدم ، ولا يستقيم بإزاء غيرته الحدثان ، ألا ترى إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «أنا أعرفكم بالله وأخوفكم منه» (١).
قال بعضهم : أقرب حال إلى الاستدراج أيام الأمن والدعة ، وتواتر النعم عليك ، وترادف الخيرات عندك.
ألا ترى الله حاكيا عن بعض أنبيائه لأمته : (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ).
وقال بعضهم في : (أَراكُمْ بِخَيْرٍ) أي : بنعمة من الله ، (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) : تقصيركم في شكر النعمة.
قوله تعالى : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) : بقية الله وقربته ووصاله وما ادّخر لأوليائه من الكرامات السنية والدرجات الرفيعة.
قال بعضهم : ما ادّخر الله لكم من كراماته خير مما تسألونه فيه.
__________________
ـ (اسْتَطاعُوا) [البقرة : ٢١٧] ؛ فإن مفهومه أنهم لا يستطيعون أن يردّوا المخلصين الراسخين عن دينهم ، وإن ركبوا في ذلك ، متن كل صعب وذلول ، لما إن الله كتب في حقهم السعادة فلا يتغيّر بحال من الأحوال ، وأمّا القضاء المعلّق فبخلاف ذلك ، وتحقيقه أن كلا من السعادة والشقاوة ؛ إمّا أصلية أو عارضة ، فالأصلية لا يعارضها عارض ، وإن عارضها ، فالمال إلى السعادة والشقاوة ؛ لأن الأبد مرآة الأزل ، فلا تزال صورة الأزل منعكسة في مرآة الأبد ، فالمؤمن الأصلي لا يضرّه الكفر العارضي فإنه مكتوب في علم الله أنه مؤمن ، وكذا في بطن الأم ؛ فإن بطن الأم ناظرة إلى علم الله ، فهما لوحان متوافقان ، وكونه مكتوبا في اللوح المحفوظ : إنه كافر لا يضرّه ؛ لأنه لوح المحو والإثبات.
(١) ذكره الحسيني في البيان والتعريف (١ / ٢٩٤).