وأستريح من صحبتكم ، ورؤية معصيتكم ، فأنتظر بعد ذلك ما وعدوه ، قيل له : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (١).
ما أشد على العارفين انتظار واردات الغيب ، وطلوع صبح المشاهدة ، وانفلاق شرق العناية ، وإشراق شمس المكاشفة! دنا وصال الحبيب ، واقتربا واطّربا للوصال وأطربا.
حكي عن السري أنه قال : قلوب الأبرار لا تحتمل الانتظار.
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣))
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) : إذا طاب عيش العارفين بجمال معروفهم ، وسكنوا بمواساة لطائف قربه ، واستأنسوا بنرجس مودته ، وورد وصلته وياسمين نور صحبته ، واطمأنوا في مكانات كشوف غرائب الملك والملكوت ، وأمنوا من بليات الامتحان ، هاج غيرة القدم عليهم ، وأقلعهم طوارقات القهر ، وألقتهم إلى منازل الامتحان ، وجعلت أعالي قلوبهم وأحوالهم أسافل نفوسهم وشهواتها ، حتى يعرفوا أن ساحة الكبرياء منزّهة عن الأنس والوحشة والوجود والعدم ، والمريدون إذا استكبروا على المشايخ يقلب الله مواجيدهم بطر النفوس ومجاهدتهم اتباع شهواتهم ، الويل لمن كان هكذا المسلم عليهم أحجار البعد ، نعوذ بالله منها ، وسماتها تواتر العصيان ، والخروج على أطيار بساتين الرحمان ، وهذا جزاء من خرج على سادته ومشايخه ، قال الله : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) أي : ما هذا الحجاب والبعد من التاركين السنة والمتابعة ببعيد.
قال بعضهم : لما أدركهم الحكم السابق الجاري في الأزل عليهم قلبنا عليهم أرضهم كما حكمنا عليهم بتقليب قلوبهم ، وصرفهم عن طريق الحق وسبل الرشاد.
وقال محمد بن الفضل : ما أصاب قوم لوط ما أصابهم إلا بالتهاون بالأمر ، وقلة المبالاة ، وارتكاب المحارم بالتأويلات.
قال الله : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) أي : ما له بعذاب ممن حملوا ما علموا من تخطي الشرع ، والتهاون بالأمر ، وارتكاب المناهي بالتأويلات ببعيد (٢).
__________________
(١) إنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ حلول العذاب حينئذ أفظع ولأنه أنسب بكون ذلك عبرة للناظرين.
(٢) في قوله سبحانه : (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) دلالة على أن القضاء المبرّم لا يردّ ؛ وهو القضاء الغير المعلّق ، وإليه الإشارة بقوله تعالى أيضا : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ