يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) : الايات قدرته على الإخبار عما وجد من أنوار جلاله ، وحقائق حضرته ، ونشر فضائل معارفه وكواشفه ، والسلطان المبين ما ظهر من وجهه من سطوع نور الأزلية ، وأثار المحبة التي قال : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي).
قال ابن عطاء : الايات هي القوة عند مخاطبة الحق ، وسماع كلامه ، والسلطان هو الانبساط في سؤال الرؤية.
قال جعفر : الايات هي التواضع عند أولياء الله ، والسلطان التكبر على أعداء الله.
وقال بعضهم : الايات محبة في قلوب خلقه ، والسلطان هيبتهم له محبة في هيبة.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) : تهديد لأهل الغفلة في النعمة الذين شغلتهم النعمة عن رؤية المنعم.
قال أبو بكر الورّاق : إذا سخط الله على قوم أكثر عليهم نعمة ، وأنساهم شكره ، ونزع عن قلوبهم التوفيق ، وتراهم سدى حتى أغمروا في المعاصي ، واستوجبوا أخذه ، أخذهم على غرة.
قال الله تعالى : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) : ذلك اليوم يجمع العارفون لموقف رؤية الجلال ، وشهودهم مشاهد الكبرياء والعظمة ، ويجمع المحبون ما قامت مشاهدة الجمال ، وشهودهم لقاء البقاء ، ويجمع الموجدون لرؤية القدم وشهود الأزل ، وهم صبّار لا يزالون عن طوارق القدرة وسطوة العظمة ؛ لأنهم في الدنيا أهل جمع وأهل شهود.
قال أبو سعيد الخرّاز : من عاشق في حقيقة عين الجمع لم يهوله ما جمعوا له من ذلك المقام ، ومن كان في كشف المشاهدة لم يتعجب من شهود ذلك اليوم ؛ لأنه كان مكشوفا له عن ذلك ، وهذا معنى قوله : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ).
وقال يحيي بن معاذ : الأيام منها يوم مفقود ، ويوم مشهود ، ويوم مورود ، ويوم موجود ، ويوم محدود ، فاليوم المفقود : أمسك ؛ فإنك على ما فرطت فيه ، واليوم المشهود يومك فتزوّد منه ما استطعت ، واليوم المورود : لا تدري هو لك أم أنت له لعلّه ليس من أيامك ،