وهو غدك فلا تشغل به ولا تهتم له ، واليوم الموعود : فاجعله من بالك ، واذكره على كل أحوالك ، واعمل له فإنه آخر أيامك ، ويوم ممدود : يوم يقوم الناس لرب العالمين ، فانظر لنفسك لوقوف ذلك.
(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) ، وجواب السؤال قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) ، ويرجى من كرم الله ولطفه أنّ الكفار إذا حشروا يدخلهم النار بلا حساب ، ثم يحشر المؤمنون إلى عند الميزان ، وتبدّل الأرض ، ويقلع السماء من البين ، ويحاسب المؤمنون حسابا يسيرا ، وهو قادر أن يحاسبهم بلحظة ، فإذا أراد أن يدخلهم الجنة يخرج الكفار من النار ، ويلقهم في بحر الحيوان ، ويدخلهم مع المؤمنون في الجنان ؛ لأنه تعالى وعد أنّهم في النار ما دامت السماوات والأرض ، فإذا زالت السماء والأرض كملت الحجة ، وهذا شيء مرجوّ ، ليس بمعتقد أهل السنة.
ومعنى قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) إلا من آمن بقلبه قبل معانية الاخرة بلهفة ، ولم يطّلع عليه أحد غير الله ، فإن دخله وورد على الصراط كالمؤمن يكون كذلك إن شاء الله ؛ فإنه تعالى مستغن عن عذاب الكافرين ، كما يستغني عن إيمان المؤمنين وطاعتهم ، وإيش يضر به أن يدخل الكفّار في الجنة وساحة كبريائه منزّهة عن خلل الحدثان ، وإذا أنشر بساط الكرم يدخل الأولون والاخرون والمؤمنون والكافرون في حاشية من حواشي بساط رحمته ، وهو صادق فيما وعد وأعدوا ، وإنما العلم عند الله.
وتأكيد ما ذكرنا قول أبي مجلز : هو جزاؤهم إلا أن يشاء ربك يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار.
وقال ابن مسعود : ليأتين على جهنم زمان تحقق أبوابها ليس فيها أحد ، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا.
وقال الشعبي : جهنم أسرع الدارين عمرانا أسرعهما خرابا.
وتصديق هذه الأقوال قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) ، وإن هذا مما يؤيد إن شاء الله.
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى