يقال : حسنات التوبة تذهب سيئات الزلة.
ويقال : حسنات العرفان يذهبن سيئات العصيان.
ويقال : حسنات العناية تذهب سيئات الجناية ، ولمّا عظم شأن حفظ الأوقات ، وأشكل رعاياتها على أهل المشاهدات والمجاهدات أمر بالصبر عليها بقوله : (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي : (وَاصْبِرْ) في دفع الخطرات المذمومة عن مزار المجاهدة وأنوار المكاشفة.
وأيضا : واصبر تحت رجاء تجلّي الكبرياء ، فإني أجازي بإحسانك بذل وجودك بنعت طلب رؤيتي بكشف جمال بقائي حتى لا تفنى بنور كبريائي ، وتبقى معي بنور بقائي.
قيل : اصبر على أداء الطاعات ، وعن ارتكاب الجنايات ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن في آداب العبودية.
وقيل : اصبر على الذكر ؛ فإن من ذكر الله على الحقيقة ذكره ، كما قال عليهالسلام : «يقول الله : إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي ...» الحديث (١) ، وأي أجر أعظم وأجل وأبقى من ذكر باق يكون ثواب ذكر باق.
قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) : القرى قلوب العارفين ، وأهلها الأرواح القدسية الملكوتية ، فإذا كانت الأرواح مخالفة لنفوسها الأمارات بألّا تجليها في حواشي الأذكار والأفكار ينزل عليها عساكر أنوار تجلي القدس ، وتكون قلوبها رياض الأنس ، وإنّ الله سبحانه لا يجليها على أيدي الخطرات والنفوس الأمّارات ، ولا يجري عليها أحكام القهريات ، وينورها بأنوار المشاهدات والقربات.
وأيضا : لا يهلك قلوب العارفين والمؤمنين والموقنين والمحبين ونفوسها مطمئنة بذكره.
قال تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) : فإن خطر عليها خاطر من قبل الهواجس والوسواس لا يحجب الحق أسرارها من جماله ومشاهدته بما خطر عليها من بعض الخواطر ، قال الله سبحانه : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) [القصص : ٥٩] أي : بقليل ظلم أهل القرية ، أي : بقليل من هواجس النفوس.
وأيضا أي : بظلم منه تعالى على القلوب ؛ فإنّه منزّه عن الظلم ، وكيف يكون منه الظلم على المقبلين وهو تعالى اصطفاهم في الأزل بصلاحية قبول معرفته ؛ حيث عرفهم ذاته بكشف
__________________
(١) رواه البخاري (٦ / ٢٦٩٤) ، ومسلم (٤ / ٢٠٦١).