صفاته إياهم ، فبقيت تلك الصلاحية.
قال بعضهم : ما أخذ أحدا إلا بجريرته ، ومن لزم الصلاح والطاعة وقاه الله الافات ومكاره الدارين ؛ لذلك قال : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ).
قال أبو سعيد القرشي : الصلاح هو الرجوع إلى الله في كل نفس بالابتهال والتضرع.
قيل : في تفسير الطاهر وأهلها ينصف بعضهم بعضا.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) : أي : على سبيل واحد من توحيده ومعرفته وقربته ومشاهدته ، ولكن حكمته الأزلية وعلومه القدمية تفرّقهم في طرق المعارف ، وأعطي كل واحد منهم سبيلا يسلك فيه من معرفة ذاته وصفاته جميعا ، فيسيرون إليه بسبيل الصفات وطريق الذات على حسب مذاقهم ومشاربهم ، فبعض في المعرفة ، وبعض في التوحيد ، وبعض في العشق ، وبعض في الشوق ، وبعض في الإرادة ، وبعض في الحالات وبعض في المعاملات ، ولا يشبه حال المريدين حال المتوسطين ، ولا حال المتوسطين حال العارفين ، وحال العارفين حال الأنبياء والمرسلين ، وتقدر علومهم ومعرفتهم ، ولم يرتفع الاختلاف بينهم.
قال الله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) أي : مختلفين في الأحوال والمقامات والأفعال والأقوال ، (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ويبلغه إلى مقام الغيبة عنه من ولهه في أنوار القدم ، وفنائه في سطوات الأزل ، وأيضا : إلا من يبلغه مقام الصحو والتمكين حتى يطلع على الكل ، فلا تخالفهم فيما هم فيه ؛ لأنه في مقام الاتصاف ونعت التمكين خارجا عن التلوين.
(وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) أي : طباعهم مجبولة باختلاف ترقي المقامات ودرجات الحالات ، وهذه سنة الله جرت في الجميع ، قال تعالى : (كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) ، ويمكن أن الجميع خلقهم للمخالفة في البدايات ، وللموافقة في النهايات في هذه المقامات وهذه الدرجات ، ويمكن أن الجميع خلقوا للرحمة ، وهي الموافقة في النهاية بعد عبورهم على بحار الأحوال والأعمال ، إذا وصلوا إلى بحار المشاهدة ، فيفرقون فيها ، ولا يعرف هناك في تلك الساعة الوضيع من الشريف ؛ لأنّها منازل الشرفات وحقائق المدانات ، وهو بجميعهم رءوف رحيم.
إذا طلع الصباح لنجم راح |
|
تساوى فيه سكران وصاحي |
(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ