خليلي وعد أحسن الناس كلهم |
|
ويحسدها من حسن شمس والبدر |
فيا ليت الجميع لو رأوا جمال سيد الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه لهاموا في البوادي والقفار ، وغرقوا في الفيافي والبحار ، وتطير الملائكة من السماء ؛ لأن نوره أنور ، وشمسه أزهر ، وبدره أشرق ، نوره كان من معادن جمال القدم ، وسراجه أسرج من سمة الكرم ، وفيه نكتة عجيبة من حقائق التوحيد : أن مشار الخليل ما قال : (هذا رَبِّي) سجدت لبعض نبيه بيانا لتنزيه جلال الكبرياء ، وتنزيه ساحة العزة والبقاء عن الأضداد والأنداد ، رأى الخليل عليهالسلام هذا المعنى بنور النبوة ، فقال : (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ، وفيه أدب المريد أن المكاشفة تذكر عند أستاذه ليفرق بين الكشف والخيال.
(قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧))
قال بعضهم : أعجبه حسن رؤياه حتى قصّها على أبيه ، فكأنه فيه أول بلية ومحنة إلى أن بلغ إلى تحقيق ما رأى ، فلمّا رأى يعقوب أسرار الرؤيا وتأويلها خاف على ابنه : (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) ، وهكذا شأن أهل قصة المعرفة ، لا يجوز للمريد أن يفتق سر المكاشفة إلا عند أستاذه ، والأنفع في بحر الحجاب ، ومحن الدعاوى ، ويكون مرتهنا بعيون الغيرة ، كان يعقوب عليهالسلام في ذلك الوقت في رؤية العلم من رؤية ما جرى في الأزل فدبّر وقاية ابنه بحسن التدبير قوة من صورة التدبير إلى عين التقدير.
قال بعضهم : إنّ يعقوب عليهالسلام دبّر ليوسف عليهالسلام في ذلك الوقت خوفا عليه أن يقع من إخوته في شيء ، فوكل إلى تدبيره ، ووقع به ما وقع ، ولو ترك التدبير ورجع إلى التسليم لحفظ ، ولما قال : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، ولما قال : (أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) ، وقال : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ) : أراه الله فيه ما كان يخافه عليه ؛ لذلك قيل : إن التفويض والتسليم خير من ملازمة التدبير ، ولمّا وصاه وقال : لا تقصص الرؤيا عرّفه اختصاصه في الرسالة والنبوة والحسن والجمال والخلق والخلق بقوله : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) : اجتباه بأن كساه من نوره نور الجمال ، وربّاه بمفرح الكمال ، ورزقه الرسالة والكشف وعلوم المدينة الإلهية التي قال :