(وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) ، وتمام نعمته عليه أن بلغ إلى مقام التمكين ، ورؤية التحقيق ، وفاز من التلوين ، وذاق طعم الاستقامة ، وبلغ أشده إلى ما بلغ الذبيح والخليل ، وخروجه من درك امتحان العشق بنعت القدس والجارة ، كما كان وصف الأنبياء والصديقين.
قال ابن هند : اجتباه ما منحه به من حسن الخلق ، ولطيف الصحبة مع أوليائه وأعدائه ، وترك الانتقام لنفسه بحال.
وقال بعضهم : اجتباك ربك فصرف عنك كيدهن ، ولولا اجتباه لورد عليك منهن ما ورد.
قال يحيي بن معاذ : من تمام نعمة الله على يوسف أن جعله منعما على إخوانه ، واضطرهم إلى الخضوع له والتذلل بين يديه بقوله : (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ).
وقال سهل : ويتم نعمته عليك بتصديق الرؤيا التي رأيتها لك.
وقال بعضهم : ويتم نعمته عليك في أن عصمك عن ارتكاب ما لا يليق بك ولابائك.
وقال الأستاذ : من إتمام النعمة توفيق الشكر على النعمة ، ومن إتمام النعمة أن يصونك عن شهود النعمة برؤية المنعم ، فلما أعظم شأن يوسف في حسنه وجماله ، وقدسه وطهارته وظرافته مع إخوانه في احتمال البلاء منهم ، وترك الانتقام منهم لنفسه عظم الله ذلك.
وقال : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) : آيات يوسف سواطع نور الحق من وجهه ، وظهور علوم الغيب في قلبه ، ومعرفته بذات الله وصفاته ، وكريم الاية ونعمائه ولطيف أفعاله وصنائعه ، وما وضع الله في النفس الأمارة من عظيم قهر شهواتها ، واستيلاء هواها ، وفترتها وشرتها ، ودقائق خدعتها ، ولطيفة ما بينها وبين طبائع الشياطين ، وحسن عاقبته ، وبلوغه إلى أهل التمكين ، وما بدا من إخوته من الغيرة والفرقة ، وهذه البراهين تذكرة وتبصرة للمريدين والمحبين العارفين.
قال حمدون القصّار : للخلق في يوسف عليهالسلام آيات ، وله في نفسه آية ، وهو أعظم الايات ، وهو معرفته بمكر النفس وغدرها ، قال : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ).
وقال بعضهم : إنّ من الايات التي في يوسف أنه حجة على كل من حسّن الله خلقه ونعوته ألا يدنسه بمعصية.
قال ابن عطاء : آياته ألا يسمع قصته محزون إلا استراح إليه ، وأخرج منه ما فيه راحة لما هو فيه.
(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ