(٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨))
قوله تعالى : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) : بيّن الله سبحانه محل امتحانه بأن لم ينجو منه أحد حتى الأنبياء لئلا يأمن من مكره فإنّ كيده متين ، وهم في ذلك ما بلغوا مقام النبوة ، ولكن عجبت من شأن قهر الله سبحانه ، كيف غيّر فطرة المعروفين في ديوان الأزل بالولاية والرسالة حتى يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ، وذلك منه تعالى عذر للمذنبين جميعا ، وبيّن أن مكان الصدق يخطر عليه آفاق النفس والحسد والخدعة ، بقوله : (لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) ، وهم كانوا يعرفون موضع الخطأ في نفوسهم من إضمار إيذاء يوسف عليهالسلام ، سبحان من حجبهم من نفسه وكدّر عليهم مشارب الصفاء والمودة ، وحجبهم عن العلم بفراسة أبيهم ؛ حيث عرّفه الله مكائد نفوسهم!.
قال بعضهم : لم يكن يأمنهم عليه ؛ لما كان يرى من فراسة النبوة في شواهدهم من إضمار الحسد والبغضاء.
قوله تعالى : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) (١) : إمهال يعقوب بنيه ، وتركه دفع لعبهم ، بأنه رأى لطافة خاطر يوسف عليهالسلام ومواصلة حزن النبوة في قلبه ، وتأثير برحاء القبض
__________________
(١) أي : يتسع في أكل الفواكه ونحوها ، فإن الرتع هو الاتساع في الملاذ (ويلعب) بالاستباق والتناضل ونحوهما مما يكون الغرض منه تعلم المحاربة مع الكفار وإنما سموه لعبا لأنه في صورته وأيضا لم يكونوا يومئذ أنبياء وأيضا جاز أن يكون المراد من اللعب الإقدام على المباحات لأجل انشراح الصدر ، تفسير حقي (٦ / ٥٣).