باطنه ، ولو اطّلعوا على جمال باطنه لوقعوا بين يديه صرعى من سكر محبته ، ولرأوا عجائب الملكوت والجبروت في ظاهره وباطنه.
قال جعفر : باعوا بالبخس من الثمن ؛ لجهلهم بما أودع الله فيه من لطائف العلوم وبدائع الايات.
قال ابن عطاء : ليس ما باع إخوة يوسف عليهالسلام من نفس لا تقع عليها البيع بأعجب من بيعك نفسك بأدنى شهوة ، بعد أن بعتها من ربك بأوفر الثمن ، قال الله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ، فبيع ما قد تقدّم بيعه باطل ، وإنّما باع يوسف أعداؤه الذين كانوا يعادونه ، وأنت تبيع نفسك من أعدائك ، وهي شهواتك وهواك ، وأعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.
وقال الجنيد : إنّما باعوه بذلك الثمن ؛ حيث لم يتفرسوا فيه ما كان به ؛ لأنه لم يكن وضع لهم في جنبه حظّ.
(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١))
ألا ترى إلى الذي اشتراه لمّا كان له في يوسف عليهالسلام حظّ كيف قال : (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) ، فصدقت فيه فراسته ، ونال به الهداية.
وقال ابن عطاء : لو جعلوا ثمنه الكونين لكان بخس في مشاهدته ، وما خصّ به.
قال الجنيد : كل ما وقع تحت العدد والإحصاء فهو بخس ، ولو كان الكونين فلا يكن حظك البخس ، وهو كل شيء دونه ، ولمّا لم يعرفوا مكانته ، وباعوه اشتراه من رآه بعين الحقيقة وأعد مبوأ جلاله وقدره في أخص موضع في العالم ، وهو مكان المحبة والعشق بقوله : (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) اشتراه بالدنيا للاخرة معرفة بجلالة وجماله ، وقال لامرأته : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) : أي : لا تنظري إليه بنظر الشهوة ، فإن وجهه مرآة تجلي الحق في العالم ، وأين طور سيناء في مكانته من وجه يوسف عليهالسلام ، وتجلّي الحق من طور سيناء المولى ، وتجلّى الحق من وجه آدم للملائكة ، وتجلّى الحق من وجه يوسف عليهالسلام لأجرام الملكوت ، وسلاطين معارف الجبروت ، وليعقوب عليهالسلام وأمثاله من أنظار الغيب.
ألا ترى كيف قال : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) ، وأيضا : أكرمي تقواه بتقواك ، وأيضا : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) ؛ فإنّه بهديه أمر